عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، لم يكن مستوى ردود الأفعال العربية على المستوى المطلوب (وهي لطالما كانت كذلك على كل حال منذ إعلان دولة إسرائيل سنة 1948 وبعيد تلاحق الهزائم العربية). أيام قليلة تخللتها بعض مسيرات الغضب، وبيانات إدانة واستنكار. فيما حول البعض بسخافته الأمر إلى نكتة سمجة معلناً من جهته عاصمة جديدة للولايات المتحدة الأميركية غير واشنطن!
لم ترقَ الجهود العربية يوماً إلى مستوى التحديات، بل الإنقسام والتشرذم كانا سمة الموقف بصورة مستمرة وغالباً ما تم تكريس ذلك في المنعطفات الأساسية. حتى التعاون الإقتصادي العربي– العربي لم يشهد أي تقدم ملحوظ رغم أن فيه مصلحة عربية أكيدة بمعزل عن الإيديولوجيات ومقاربات القومية العربية وسواها.
منذ منتصف الخمسينات، حققت القارة الأوروبية تقدماً ملحوظاً، لا بل هائلاً، على مختلف الأصعدة، وفي طليعتها المجالات الإقتصادية والمالية والنقدية رغم تعدديتها الثقافية والقومية والعرقية الهائلة، وصولاً إلى توحيد العملة الأوروبية وفتح الأسواق وتوفير حرية تنقل الأشخاص والبضائع؛ وساهم كل ذلك في رفع مستوى معيشة المواطن في كل الدول الأوروبية، وبعضها يحتل المراتب الأولى في العالم من حيث رفاهية العيش اللائق والكريم.
الأهم أن هذا التقارب الإقتصادي نجح رغم عدم موازاته بتقارب سياسي كامل، أي أن الإنقسام الأوروبي حيال قضايا دولية هامة بقي قائماً، كما أن عدداً من الدول القوية في الإتحاد طغت بمواقفها وسياساتها الخارجية على الرؤية الموحدة مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا (قبل “بريكست”) وسواها.
وهذا دليل أن الملف الإقتصادي يمكن أن يشكل مساحة (ولو كانت مصلحية) مشتركة بين الدول حتى لو أنها لم تنجح في بناء توافقاتها السياسية حيال مختلف التحديات والأمور المطروحة.
الإستعانة بالإتحاد الأوروبي مجدداً هي لتقديم المثال الحي على فشل الدول العربية في تحقيق التقارب، وهي التي انطلقت محاولات التقارب في ما بينها مع قيام جامعة الدول العربية سنة 1945 (أي قبل الجهود الأوروبية عملياً)، فإذ بأوروبا تصبح قارة قوية وموحدة، بينما يتخبط العرب بين المحاور الإقليمية والدولية. فها هي تركيا وروسيا وإيران تجتمع دورياً لمناقشة الحرب السورية بغياب السوريين، وبرلين تستضيف مؤتمراً دولياً حول ليبيا التي تتنازعها الجبهات والقوى المؤثرة فيها، بينما يرزح العراق تحت وطأة الصراع الإيراني- الأميركي فيما العرب غائبون تماماً عن النقاشات والمفاوضات.
ليست هذه المقالة لتستجدي عناوين عفا عليها الزمن، أو لتعيد إنتاج مقاربات طوتها الأحداث والتطورات المتسارعة في العالم العربي، أو لإعادة بناء مفاهيم جديدة للقومية العربية أو تفصيل أسباب سقوطها وفشلها. الهدف هو التذكير بأن فلسطين ضاعت، وأن العراق منقسم، ولبنان على مشارف الإنهيار، وسوريا دمرت، واليمن تعاني من المجاعة والسودان قسم إلى شطرين…
من هنا، إلى أين؟