بداية حزيران المقبل، يسلّم النائب ميشال المر مفاتيح زعامته المتنية الى نجله الوزير السابق الياس المر في احتفال ينظمه في العمارة، بالطريقة نفسها التي يخطط فيها النائب وليد جنلاط لتوريث ابنه تيمور. وفيما يمكن لجنبلاط الاتكاء على قاعدته الاشتراكية لتنفيذ الأمر، يصعب على أبو الياس توريث الياس نفوذاً لا يملكه وبلديات يدّعي التحكم فيها غير أن مجالسها الفعلية بأيدي العونيين، رغم قدرته على الفوز باتحاد البلديات اعتماداً على «رياسه»
يستعد وزير الداخلية السابق ورئيس «مؤسسة الانتربول لعالم أكثر أماناً» الياس المر، مطلع الشهر المقبل، لتسلّم مقاليد الزعامة المتنية من والده النائب ميشال المر، في مهرجان كبير ينظم داخل عمارة شلهوب في بلدة الزلقا في المتن الشمالي.
لا يمكن الفصل بين هذا الحدث وبين تعمّد المر الأب التجوال شخصياً الأحد الماضي، للمرة الأولى منذ أعوام، في جل الديب وانطلياس وضبيه، وحرصه ثانياً على الظهور فجأة في أكثر من وسيلة إعلامية بعد غياب طويل للمبالغة في ربحه المتني والتباهي بإمساكه بـ40 بلدية متنية من أصل 55. يريد المر تنصيب نفسه زعيماً على القضاء قبيل توريث ابنه ما لا يملكه أصلاً! ويختلف وضع أبو الياس عن الياس في هذا السياق. فسياسياً، المر الأب أقرب الى قوى 8 آذار، نظراً الى محافظته على علاقة متينة برئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الطاشناق، وعبر الاخير بحزب الله. أما الياس فمحسوب على قوى 14 آذار، وتيار المستقبل تحديداً. ويظهر ذلك جلياً من خلال جريدة «الجمهورية» التي يملكها والتي تبنّت سليمان فرنجية وبدأت حملة للدفاع عنه منذ تبنّاه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري مرشحاً الى رئاسة الجمهورية. وكان لافتاً طردها لأحد الصحافيين القواتيين عقب عدم التزامه بهذا الموقف. على المقلب الآخر، الياس المر بعيد عن قوى 8 آذار، رغم نشوء علاقة بينه وبين رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، علماً بأنه سبق للابن أن اتهم حزب الله مباشرة بمحاولة اغتياله. إلا أن علامات استفهام تطرح حول قدرته على الفوز بمقعد نيابي، لعدة عوامل، أبرزها افتقاده للشرعية الشعبية وعدم قدرة تيار المستقبل على إفادته في قضاء المتن حيث النفوذ الأكبر للتيار الوطني الحر.
وبالعودة الى النائب ميشال المر، يصعب للوهلة الأولى عدم تصديق كلامه حول ربحه الثمين، خصوصا أن لا ردّ رسمياً من التيار الوطني الحر على تصريحاته. إلا أن ما يفترض أخذه في الاعتبار يقود الى مجموعة نقاط رئيسية تصبّ جميعها في خانة صعوبة توريث ابنه شبكة بلدية لا يسعه شخصياً السيطرة عليها أو إدارتها:
ـــــ أولاً ضمان المر فوزه برئاسة اتحاد بلديات المتن الشمالي بـ17 صوتاً أو أكثر لا يعني قطعاً أن رؤساء البلديات الذين سيصوّتون له في جيبه. فهؤلاء يهبونه أصواتهم بسبب سياسة العصا والجزرة القديمة التي مكّنت المر من إمساكهم من الخاصرة التي تؤلمهم، لسبب وحيد هو سيطرته على الاتحاد منذ عام 1998 وحرصه على عدم تغيير الريّاس لضمان أصواتهم. ولكن، في الواقع، لم يعد المر زعيمهم الأوحد، وباتوا، منذ دخول الأحزاب الى القضاء، أصدقاء الجميع، خصوصاً النائب ميشال عون ويزورونه باستمرار، فضلاً عن عدم قدرتهم أخيراً على تشكيل مجالسهم من دون التعاون مع الأحزاب، وفوز بعضهم بالتزكية جاء نتيجة توافقه مع التيار وتوزيعه الحصص في ما بينهما، علماً بأن أي مرشح مفترض الى الاتحاد، كرئيسة بلدية بكفيا نيكول الجميل أو رئيس بلدية الجديدة أنطوان جبارة، كفيل بإضعاف موقف المر وتشتيت أصوات البلديات، وصولاً الى منافسة ميرنا المر على منصبها.
ـــــ ثانياً، لا يمكن هؤلاء الريّاس، من الدكوانة الى الجديدة ـــــ البوشرية ـــــ السدّ الى المنصورية وجل الديب وانطلياس وضبيه إمرار أي مشروع من دون العودة الى مجالسهم التي دخلتها الأحزاب، وخصوصاً التيار. ففي الدكوانة للعونيين حصة نائب الرئيس ونصف عدد أعضاء البلدية (ومختاران). وفي الجديدة 7 عونيين في المجلس البلدي، وفي المنصورية 5 من أصل 12 (و3 مخاتير). وفي جل الديب للنائب نبيل نقولا حصته من الربح، وخرقت لائحة التيار بثلاثة أعضاء، وفي انطلياس الأمر نفسه، وكذلك في بصاليم. في قرنة شهوان يشكل العونيون نصف المجلس البلدي وفي الزلقا تمكنوا للمرة الأولى من التمثل بثلاثة حزبيين. ما سبق يقود الى خلاصة واحدة أن رئيس البلدية شيء ومجلسه شيء آخر، وادعاء المر أن المجالس البلدية تناصره هو من نسج الخيال، حيث لا يمكن لأي حزب أو سياسي اختصار المجلس البلدي بشخصه. وحتى في بتغرين، ضيعة أبو الياس الوفية، يضم المجلس البلدي عونيَّين!
ـــــ ثالثاً، حرص أبو الياس إعلامياً على ادعاء ربح 41 مجلساً بلدياً من دون أن يعدد من بينها سوى انطلياس وجل الديب وضبيه. التدقيق في نتائج هذه البلدات، خصوصاً انطلياس وجل الديب، يظهر أن ربحها تمّ بفضل قوة الطاشناق لا المر. ففي انطلياس خذل الطاشناقيون التيار الوطني الحر وصبّوا أصواتهم للرئيس المقرّب من المرّ إيلي بو جودة، في حين أن 200 صوت طاشناقي كانت كفيلة بترجيح كفة الفوز لمصلحة التيار الوطني الحر لو لم يخلّ هؤلاء بالاتفاق، إذ كان الطاشناق قد عقد اتفاقاً مع التيار الوطني الحر خلال المفاوضات على بلدية بيروت حيث دعم التيار مطلب الأرمن بـ13 مختاراً، في مقابل حصوله على أصواتهم في سن الفيل وجل الديب وانطلياس، الأمر الذي لم يحصل، فخسر التيار رئاسة بلدية انطلياس كما خسر جل الديب بفارق 60 صوتاً (خرق التيار بثلاثة أعضاء) وسن الفيل حيث صوّت الشيعة والطاشناق (600 صوت) لمصلحة رئيس البلدية الكتائبي نبيل كحالة. أما رئيس بلدية ضبيه قبلان الأشقر الذي يضعه المر في خانته، فيضم مجلسه عونيين وقواتيين وكتائبيين.
ـــــ رابعاً، لا يمكن القفز فوق واقعة أن التيار الوطني الحر أو العونيين تمكنوا من ربح لوائح كاملة في الفنار وبيت مري وضهر الصوان والمتين وزكريت والقعقور والعطشانة والمشاركة رئاسة أو عضوية في عشرات البلديات من بعبدات الى قنابة برمانا الى المزكة والغابة الى عينطورة المتن الى بسكنتا ومزرعة يشوع والمطيلب ومرجبا وكفرعقاب.
ـــــ خامساً، الانتخابات البلدية شيء والانتخابات النيابية شيء مختلف تماماً. لذلك مهما حاول المر المبالغة في ربحه، من غير الممكن له ترجمة هذا الربح نيابياً. فقدرته التجييرية في أي استحقاق نيابي لا تتعدى نحو أربعة آلاف صوت تجييري، فيما التيار الوطني الحر يبدأ من 25 ألف صوت. والمر بحاجة إلى الأحزاب كي يحظى بمقعد نيابي في المتن الشمالي، ومضطر تالياً الى مسايرة الرابية وغيرها، كالكتائب والقوات، بلدياً وفي الاتحاد.
التغيير بيد الشباب
الجولة في مختلف بلدات المتن تؤكد بما لا لبس فيه أن انقسام التيار الوطني الحر أدى به الى خسارة بلديات كان من الممكن الفوز بها كاملة بسهولة، لو لم تتشرذم القاعدة العونية على لائحتين أو أكثر، كما في سن الفيل وجل الديب وانطلياس وبصاليم. فيما الخلاصة الأخرى أن التيار خسر الكثير من البلديات التي شكّل فيها لوائح مشتركة مع القوات اللبنانية. من جهة أخرى، أثبت الشباب أنهم الأكثر قدرة على التغيير متى أرادوا، وأن القاعدة الشعبية تتعاطف معهم، وفوز المرشح العوني الشاب زياد عطية في عضوية مجلس بلدية جل الديب البلدي بشكل منفرد وبنحو 25% من أصوات البلدة أبرز مثال على ذلك. يتبعه فوز منسق جل الديب في التيار طارق حجل بالمخترة بفارق 400 صوت رغم سقوط لائحة التيار البلدية وخرقها اللائحة المنافسة بثلاثة أعضاء. وفي بيت شباب، تمكنت المحامية ميريام جبر ومجموعة من الشباب من اقلاق رئيس البلدية القومي ــ المرّي المتجذر فيها منذ 18 سنة وكادت تخرقه. علما أن جبر كانت مدعومة جزئيا من التيار الوطني الحر في مواجهة الريّس المدعوم من محادل الأحزاب.
وعلى المقلب الآخر، التقط حزب القوات رسالة الحراك المدني ومزاج أهالي بيروت الذين اقترعوا للائحة «بيروت مدينتي». فآثر تبني لائحة شباب الخنشارة (شكل القواتيون لائحة منافسة لهؤلاء الشباب في العام 2010) التي استطاعت كسر عرف ضرورة وصول رئيس من عائلة سماحة الى الرئاسة، عبر وصول أسعد رياشي ولائحته كاملة. وكانت النتيجة ربحا اضافيا في رصيد رئيس جهاز التواصل في القوات اللبنانية ملحم رياشي نظرا الى أن الخنشارة مسقط رأسه لو أنه لم يختر الظهور في الصورة الا عند فوز اللائحة بدعم النائب ميشال المر (أحد أعضاء اللائحة يوسف اميل الرياشي هو نجل رئيس ماكينة المر الانتخابية في البلدة). علما أن رياشي كان يحرص حتى قبيل ساعات قليلة من الانتخابات البلدية على نفي تدخله في هذا الاستحقاق، مؤكدا انه يرفض الاستناد على نتائج هذه الانتخابات لطرق باب الانتخابات النيابية كمرشح توافقي بين القوات والتيار على المقعد الكاثوليكي اليتيم في القضاء. ولا ينفك الرياشي يكرر مقولة ان «من يريد نيابة او وزارة يحصل عليها بجهده لا على حساب أهالي بلدته».