عادة، في الأعراس الانتخابية كلها، للمتن «أقراصه» بفعل لوحته المتداخلة والملوّنة سياسياً. لوحة تمنحه طابعاً مميزاً، تستقطب الأضواء والاهتمام من الأحزاب السياسية، لتحوّله حلبة مبارزة صاخبة.
هذه المرة، بدت الأضواء أخف وهجاً، ليس لتغيّر بنيوي طرأ على التركيبة، وانما لعدم قدرة اللاعبين على فرض منطق التغيير في موازين القوى على الخارطة المتنية، وإن وجدت النية مع انطلاق شرارة الانتخابات.. ما سرق الحماسة من ساحات الصراع التقليدية.
عملياً، كانت الأنظار مشدودة الى «تركة» ميشال المر التي اعتقد الآخرون أنها صارت «لقمة سائغة» يمكن لـ «الأقوياء» استغلال لحظة فتح الصناديق لوضع اليدّ عليها. لكن الرجل الذي «قبض» لسنوات على المتن بواسطة بلدياته، أثبت أنّه ما زال قادراً على إدارة معركته من «العمارة» وبعزيمته المعهودة.
تكفي مشهدية اصطحابه رؤساء المجالس البلدية المحسوبين عليه لتعزية الوزير نهاد المشنوق بوفاة شقيقه، وإصراره على تعريفه عليهم الواحد تلو الآخر، للتأكد من أن الرجل ما زال متقد الذاكرة ولن يسلم الراية الى من يعتبرهم «ورثة غير شرعيين». يحرص «أبو الياس» على إبقاء «العِصمة» بيده، مع أنّ القوى المتنية تعرف جيداً أنه سيصعب على الرجل نقل «ثروته البشرية» الى «ورثته الشرعيين» حتى لو كانت كريمته ميرنا المر هي الممسكة باتحاد البلديات.
يصحّ القول في اتحاد بلديات وسط المتن الشمالي وساحله، إنه «كنز آل المر» الذي يضعه «التيار الحر» نصب عينيه.. وفي اعتقاده أنّ «مطرقة» تفاهم معراب ستفعل فعلها وتغيّر المعادلة المتنية.
لكن «ابو الياس» كان بالمرصاد وأنشأ قبّة حديدية لمنظومته البلدية، حتى أنّ حماسته حملته لتفقّد ساحات معاركه في ساحل المتن الشمالي، وتحديداً تلك التي تشهد منافسة حادّة (سن الفيل، جلّ الديب، انطلياس والضبية)، سعياً لتحفيز المشاركة لمصلحة لوائحه.
أما المفارقة الأبرز فهي تمكّن ميشال المر من إنهاء معركته قبل فتح صناديق الاقتراع، بعدما وضع عشرين بلدية مدعومة منه، في جيبه، تزكية أو شبه تزكية، محصّناً وضعه في معركة الاتحاد، ليتفرّغ لمعارك البلديات الأخرى.
ولحكاية صمود «أبو الياس» حيثيات كثيرة لا تتصل فقط بقدرة «ريّاس دولته» على مقاومة محاولات الإطاحة بهم، بل بعوامل خارجية أخرى، أبرزها:
ـ التفاهم المريّ ـ الكتائبي الذي حاكه سامي الجميل مع «دولة الرئيس»، وذلك ردّاً على «تفاهم معراب»، وما أثاره من خشية من اكتساح «الثنائي الماروني» للبلديات المتنية، وهذا ما جعل الالتقاء بين بكفيا والعمارة سهلاً نظراً لوجود قواعد مشتركة بينهما وتجارب تعاون سابقة.
ـ حرص «الطاشناق» على عدم إفلات يديّ ميشال المر بحكم العلاقة التاريخية بينهما والتي دفعت بالأرمن في كل الاستحقاقات السابقة إلى إمساك عصا المتن من وسطها كي لا يُحرَم «أبو الياس» من نعيم «البلوك الأرمني». صحيح أنّ بلدية برج حمود فازت بالتزكية، لكن «البلوك الأرمني» في ساحل المتن الشمالي صوته مؤثر، لا بل مرجح، نظراً لتكافؤ موازين القوى، ما يجعل الأقلام الأرمنية موقع جذب من جانب القوى الحزبية الأخرى.
بالنتيجة، سعى «الطاشناق» إلى دعم «أبو الياس»، حيث اقتضت المعركة القاسية، منها مثلاً الضبية، حيث صفّ الأرمن إلى جانب قبلان الأشقر المدعوم أيضاً من «القوات» و «القومي» بوجه زياد ضومط المدعوم من «التيار الحر».
وفي انطلياس، حيث يشكل الأرمن بلوكاً انتخابياً حاسماً (أكثر من 1000 صوت)، وهو الأكبر في الساحل بعد برج حمود، نزل اسم مرشح «الطاشناق» في اللائحتين المتنافستين: المدعومة من الرابية برئاسة ايلي صافي والثانية المدعومة من «العمارة» برئاسة إيلي أبو جودة!
ـ تفلّت صفوف القوى الحزبية الأخرى ما أدّى الى رسم لوحة سوريالية فيها من العبثية تحت عنوان الخصوصيات المحلية والعائلية. ولقد سقطت هذه الأحزاب في مستنقع البلديات بعدما تغلّبت عليها العصبيات العائلية والحسابات المحلية الضيّقة لا بل عرّضتها لتشقّقات فاضحة في أكثر من موقع.
وقد يكون نموذج الضبية هو الأكثر عبرة، حيث تواجه الكتائبيون في لائحتين، فيما اشتكى العونيون من تسرّب بعض أصواتهم في لائحة ثالثة غير مكتملة قد تكون قضت على فرصتهم بالفوز. كما شهدت جلّ الديب الموقعة الأكثر تمزّقاً لصفوف «البرتقاليين»، حيث دعم النائب نبيل نقولا، ابن المنطقة، لائحة ريمون عطية بالتفاهم مع ميشال المر، فيما انضمّ رئيس هيئة قضاء المتن في «التيار» هشام كنج الى لائحة اندره زرد، مدعوماً من ابراهيم كنعان!
في المقابل تعامل «القوميون»، ولهم حضورهم في وسط وجرد المتن، مع الاستحقاق بـ«براغماتية محلية هادئة».
ـ الصعوبة التي واجهها «التيار الحر» «القوات» في تعميم تفاهمهما على كامل البقعة المتنية برغم المحاولات الجدية لتفادي هذا الأمر، لكن الاعتبارات العائلية كان لها هامشها الأوسع.
لوحة المعارك.. والتزكيات المتنية
تربعت بلدية سن الفيل على رأس قائمة المعارك الأساسية في هذا القضاء كونها كرّست التفاهم بين العونيين والقوات في لائحة برئاسة العوني جوزيف شاوول، بمواجهة لائحة ميشال المر والكتائب ممثلة برئيس البلدية نبيل كحالة مدعوماً من خصمه السابق عبدو شاوول.
كذلك شهدت الضبية معركة حامية بين لائحة مدعومة من المر والقوات والكتائب، وأخرى مدعومة من عونيين وكتائبيين. وفي الساحل أيضاً، تواجه العونيون في جل الديب في لائحتين خصمتين، بينما شكلوا في انطلياس مع الكتائب لائحة، بوجه المر.
في الجرد، تبدو معركة بسكنتا الأكثر رمزية كونها حصلت بين العونيين والقوميين من جهة، والكتائب مدعومين من «القوات» من جهة أخرى. في عينطورة المتن، وقعت «منافسة مليونية» بين لائحتيّ مغتربين. كذلك حصلت مواجهات في كل من بيت مري، بعبدات، الخنشارة، ضهور الشوير، بيت شباب، بصاليم…
أما البلديات التي خرجت من السباق باكراً بفعل التزكية، فهي: المنصورية، الجديدة، برج حمود، الرابية، ديك المحدي، بتغرين، كفرتيه، زرعون، ترشيش، الغابة، برمانا، مار شعيا والدكوانة. وحصلت معركة في بلدية الزلقا ـ عمارة شلهوب بسبب رفض مرشح منفرد التزكية.