خلاصة الاجتماع الذي عُقد أمس بين وزير الصحة وائل أبو فاعور ونقابة المستشفيات الخاصة ليست إيجابية إطلاقاً. المعركة مفتوحة وهناك ملفات كثيرة، ستُفتح مع الوقت. مطلب أبو فاعور واضح: طبّقوا العقود. أما مطالب المستشفيات فكثيرة، إلا أنّ الأكيد هو أنّ أبو فاعور لن يقدّم أي تنازل مجاني
لم يكن اجتماع أمس بين وزير الصحة وائل أبو فاعور ونقابة المستشفيات الخاصة هادئاً. تبادل المجتمعون، لقرابة الساعتين، وجهات النظر وفي بعض الأحيان الاتهامات، وطغى التوتر على وجوه أصحاب المستشفيات، الذين غادروا الاجتماع من دون انتزاع أي امتياز من الوزير، بل على العكس، توعّدهم الوزير بالمزيد من التشدد، إذ إنّ «سيف الرقابة سيبقى فوق رؤوس الجميع». منذ بداية الاجتماع قال أبو فاعور للمستشفيات بصراحة: ليس لديكم أي مصلحة في المواجهة مع الدولة لأنه في أي مواجهة ستكون الدولة هي الأقوى.
ابو فاعور: لن أساير
هكذا إذاً بدأ الاجتماع «حامياً»، أعلن أبو فاعور انه لن يساير، قال: «في السابق تجاوبت بنيّة صافية، لكن هذه المرة لست مستعداً إطلاقاً لأن أتخذ أي خطوة إيجابية قبل ان ألمس تغييرا من قبلكم في التعاطي مع المواطنين». النقطة الأساسية التي تناولها أبو فاعور هي ما يحصل في مراكز الاستقبال داخل المستشفيات. اتّهم الحاضرين بتغليب المصلحة المادية على حياة المرضى، قائلاً «أنا متأكد انّ 90% من المرضى الذين ماتوا على أبواب المستشفيات، لو كان معهم 2000 دولار لكنتم قد حملتموهم على الأكف». وأضاف «نسبة الناس التي تشتكي من سوء المعاملة على أبواب المستشفيات هي 2%، وهناك عدد كبير من المرضى لا يبلّغ الوزارة خوفاً من عدم استقباله من قبل المستشفى في المرة المقبلة. تأخذون من المريض ألف دولار وتعطونه فاتورة بـ 200 دولار». أكثر ما يُزعج أبو فاعور تعامل هذه المستشفيات مع مرضى الوزارة، إذ يرى أن «مريض وزارة الصحة يعاني الذل والازدراء»، ويهدّد «إذا كان مرضى الوزارة لا يروقونكم، فرجاءً أعلنوا ذلك ولنلغِ العقود كافة».
وجّه أبو فاعور كلامه إلى رئيس مجلس إدارة مستشفى عكار ــ رحال النائب رياض رحال الذي كان جالساً في الصف الأمامي، فقال «بالأمس هددني الدكتور رحال، وقال لي: شوف شو بدك تعمل مع المواطنين». ردّ ابو فاعور بحزمٍ على ما قاله رحال: «اولاً، من واجبكم أن تتولوا الرعاية الأولية للمريض إلى حين تأمين نقله إلى مستشفى آخر في حال عدم توافر أسرّة. ثانياً، يمكنني أن أدبّر أموري عبر إعطاء موازنات للمستشفيات الحكومية، ولدي خطة للنهوض بهذه المستشفيات، أمّا في الحد الأدنى، فيمكنني أن أصارح الناس بأن الوزارة يمكن أن تغطيهم في المستشفيات الحكومية فقط». وأضاف «كذلك يمكنني أن أتوجه الى مجلس الوزراء وأطلب تحويل السقف المالي للمستشفيات الخاصة، الذي يبلغ 290 مليار ليرة، من أجل تطوير المستشفيات الحكومية وتحسينها». واجه الوزير أصحاب المستشفيات بالملفات التي يملكها «هناك مستشفى قريب منا لديه 4 ملفات وهمية، ترشون أطباء الأقضية والمراقبين الصحيين للتغطية على مخالفاتكم، تعطون المرضى أدوية جينيريك وتسجلونها غير ذلك، 90% من مستشفياتكم تتعامل مع المريض على أنه زبون. لن نستمر هكذا».
مشاكل النقابة
أصغى الحاضرون جيداً إلى الوزير، وأتى دور رئيس نقابة أصحاب المستشفيات سليمان هارون، الذي رأى أنّ ما قاله الوزير تعرفه المستشفيات جيداً، لكنها في المقابل لديها حقوق ومطالب. رفض هارون أن يصنّف ما يحدث على أنه مواجهة مع الدولة، مشيراً إلى أن دور الدولة هو رعاية القطاع الاستشفائي، وإلى أن العلاقة مع وزارة الصحة لا يمكن أن تستمر بهذا الشكل.
تغنّى هارون بميزات القطاع الاستشفائي الذي «حلّ ثالثاً بين دول الشرق الأوسط في التصنيف»، وأشار إلى أنه «عندما كانت الوزارة تقوم بالتصنيف الجديد للمستشفيات ارتكزت على معيار رضى المرضى الذي جاءت نسبته 75% وهو رقم مرتفع». رد هارون على إحصائيات الوزير، فرأى أن نسبة المرضى الذين يشكون سوء المعاملة هي عبارة عن 40 شكوى من أصل 20 الف حالة دخول إلى المستشفيات شهرياً، وإذا أردنا احتساب الذين لا يبلّغون الوزارة نصل الى 400 شكوى أي 2%.
تناول هارون 4 مشاكل أساسية يعانيها القطاع الاستشفائي، أولاها العقد الموقع بين المستشفيات والوزارة. بنظر هارون فإن العقد «ماكر إذ يجب قبول بنوده الظالمة كلها»، ويرى أن «العقد يجب ان يكون متوازناً وأن يحفظ حقوق جميع الأطراف». المشكلة الثانية هي الفواتير المضخمة التي تحدّث عنها وزير الصحة، يقول «رأت الوزارة انه إذا وُجد حسم على الفاتورة بمقدار 10% هذا يعني أن هناك تضخيما مقصودا من قبل المستشفيات لـ 10% من قيمة الفواتير. أبدينا ملاحظاتنا أكثر من مرة على آلية التدقيق وطلبنا التدقيق بالفواتير كافة وعدم انتقاء فواتير معينة». مشكلة الفروق في الأسعار لم تعد تحتمل لدى أصحاب المستشفيات، إذ اختلفت الاسعار بشكل كبير بين اليوم والمبالغ المحددة من قبل الوزارة سابقاً. أما التصنيف الجديد، فيعلق عليه هارون بان الوزارة «لم تُعط المستشفيات مهلا لتصحيح وضعها، ما ألحق أضرارا واضحة بها». مشكلة جديدة طرحها هارون هي عملية نقل المرضى عبر الصليب الأحمر، إذ أعلن أن التعميم الذي يجبر الصليب الأحمر على نقل المريض الى أقرب مستشفى هو تعميم غير سليم. برأي النقابة على الصليب الأحمر أن يؤمن مكاناً للمريض في المستشفى قبل نقله إليه. وجّه كلامه الى أبو فاعور قائلاً «معك خبر أنه لا يوجد أي جهة ضامنة تغطي الطوارئ؟». استطرد هارون متحدياً «إنت إيدك طايلة بمجلس الوزراء ليش ما بتمشّي البطاقة الصحية؟ مشّيها». لم يكتفِ هارون بطرح المشكلات إنما وضع تصورات للمعالجة، فاقترح إنشاء هيئة عليا للصحة، إعادة دراسة الكلفة مع الأخذ بالاعتبار التضخم السنوي، العمل بتعرفة موحدة لجميع الجهات الضامنة وإشراك النقابة في تحقيقات وزارة الصحة.
رحال ضد أبو فاعور
يقف رئيس مجلس إدارة مستشفى عكار ــ رحال النائب رياض رحال غاضباً، ويكرر ما قاله سابقاً – وما يبدو أنه يزعجه على نحو كبير- «مش فارقة معي لا سقف مالي ولا تعرفة، بس أنا المريض بيقللي يا بتفوّتني او بتلفن لأبو فاعور؟». يؤكد رحال أنه لم يهدّد الوزير إنما «حذّره» ويقول «بالأمس تمّ تحويل أحد المرضى من مستشفى عبدالله الراسي الحكومي الى مستشفى رحال، لأن المستشفى الحكومي لا تتوافر فيه جميع الأقسام. تواصلت مع النقيب، وأخبرته أن اعتمادي انتهى، لكننا سنستقبل المرضى وسنرسل عقود مصالحة». يكشف رحال ان لديه تجاوزا بقيمة 900 مليون ليرة عامي 2012 و2013 لم تسدّد الوزارة منها شيء. ترتفع نبرة رحال: «بطاقة الشؤون الاجتماعية مين عم يستقبلا؟ أنا عم استقبلا»، فيرد عليه أبو فاعور غاضباً «شو هودي لي عم تعالجن ما عم تاخد علين مصاري؟». يتدخّل هارون ليفض الخلاف الذي انتهى بإيقاف رحال عن الكلام. يقف صاحب أحد المستشفيات في طرابلس، ويقول معترضاً «الموظفون أصبحوا يرتجفون عندما يأتي مريض وزارة»، فيجيبه أبو فاعور «طبّق العقد وما حدا بيجي صوبك». يُنهي أبو فاعور الكلام مع المستشفيات بالخلاصة التالية: مع احترامي لكل ما ذكرتموه لكن المؤشرات التي قدمتموها غير مقنعة، هناك أموات يتلقون علاجا فيزيائيا في 3 مستشفيات، هناك أشخاص في غيبوبة منذ سنوات وهم يمارسون حياتهم على نحو طبيعي، تعرفة مستشفيات الفئة الاولى والثانية تأتي بأرقام ملغومة. تريدون أن ألغي التأمين المنصوص عليه في العقد، الذي يبلغ 10%؟ مقابل ماذا؟ ستبقى هذه المعركة مفتوحة، وستسمع يا حضرة النقيب أموراً كثيرة.
يؤكد وزير الصحة وائل أبو فاعور لـ «الأخبار» أنه لن يتراجع عن قراره القاضي بتخفيض مليار ليرة من السقف المالي المخصص لمستشفيي رحال ومركز اليوسف الاستشفائي، وجرى الكشف على مستشفى عبدالله الراسي الحكومي في حلبا، حيث ستحصل تعديلات كبيرة، أولها تغيير مجلس الإدارة وتجهيز معدات حديثة وأقسام جديدة. أمّا عن إعادة العمل بالعقد مع مستشفى «أوتيل ديو»، فأعلن أنه حصل تعهّد بالالتزام الصارم ببنود العقد، وسيكون هذا الإنذار الأخير.