فيما تشهد الحدود السورية – العراقية – الاردنية حركةً عسكرية قوية، اذ تنتشر في المثلث الاستراتيجي المذكور جيوش بعتادها وآلياتها منتظرة ساعة الصفر للمنازلة الكبرى التي سيكون عنوانها انتزاع السيطرة على هذه المنطقة بعيد تنظيفها من أي نفوذ ««داعشي»، الا ان أكثر من لاعب يتنافس لبسط نفوذه على البقع التي سيخليها ««داعش»»، ما يجعل الواقع أكثر تعقيدا، تاركا ارتداداته على منطقة جرود السلسلة الشرقية.
واذا كان العجز الرسمي السياسي عن بلوغ نقطة التقاء الافرقاء على قانون انتخابي بعد سنوات طوال من البحث والنقاش، مع تراكم العقد التي تعترض هذا المسار الاقرب الى لغز محير تترجمه بورصة التوقعات والمواقف اليومية المتسمة بتضارب فاضح في التوقعات، فان الحدود الشرقية تشهد سباقا من نوع آخر، لا يمكن فصل اعادة تموضع قوات حزب الله على طول الجبهة عنها، مع عودة الحديث عن مفاوضات باشرها بعض وجهاء عرسال مع قيادة فتح الشام في جرود البلدة بوصفها الفصيل المسلح الاكبر بعدما بايع عناصر من «داعش» اميرها ابو مالك التلي الذي تم رصده في الفترة الاخيرة اكثر من مرة في محاولة منه لرفع معنويات مقاتليه على خلفية ما يجري في الداخل السوري ونتيجة الضربات المتلاحقة التي يتعرضون لها سواء على يد الاجهزة الامنية اللبنانية او في عمليات التصفية المتبادلة مع تنظيم الدولة والتي افقدتهم عدد من مقاتليهم الاساسيين، خصوصا بعدما بات التسلل الى مخيمات عرسال ومحيطها شبه مستحيل في ظل القبضة الحديدية التي يحكم بها الجيش طوقه على منطقة الجرود، قبل ان يعود ويختفي أثره خلال الساعات الماضية بعد المعلومات عن استهداف موكبه في منطقة الملاهي – وادي حميد.
مصادر مواكبة لما يجري كشفت ان كلام الامين العام لحزب الله والخطوة الميدانية التي اتخذتها حارة حريك جاءا ليشجعا مسارا سبق للحزب ان اطلقه عبر استراتيجية المصالحات او التسويات للانسحاب من بعض المناطق كما حصل في المدن الاربع، رغم اقرارها بأن الوضع في جرود عرسال مختلف نتيجة عوامل عديدة يتشابك فيها المحلي بالاقليمي ويتقاطع مع الدولي، خصوصا انه لم يعد هناك من فائدة ميدانية لوجود تلك الجماعات المسلحة في الجرود بعدما شلت قدراتها على تنفيذ اي عمليات عسكرية هجومية لنقص العديد والعتاد نتيجة حرب الاستنزاف التي يمارسها الجيش عبر استهدافه اليومي لمواقع وتحصينات تلك الجماعات، كذلك امنيا لم تعد المناطق الجردية قواعد خلفية لانطلاق الارهابيين والسيارات المفخخة بعدما اقفلت كل طرقات التهريب والتسلل.
وتتابع المصادر بأن هذا الوضع الضاغط لم يصل بعد الى درجة تسليم المسلحين بضرورة الانسحاب وان كانت اكثر من محاولة سابقة قد باءت بالفشل بعد تراجعهم في اللحظة الاخيرة، ولعل آخرها تلك التي كانت اعدت ورقة تسويتها بين قطر وايران عشية اتفاق المدن الاربع الا ان ابو مالك التلي اسقطه في اللحظة الاخيرة لحسابات داخلية تتعلق بخلافات مستجدة مع قيادة الجولاني، وتشير المصادر الى ان العرض المطروح هذه المرة مغر وقابل النقاش وقد لاقى المفاوضون الذين زاروا الجرود ليونة ملحوظة الا ان شياطين التفاصيل قد تطيح كل الصفقة، خصوصا لجهة اصرار قيادة التلي على الحصول على ضمانات في ما خص مخيمات النازحين لجهة ترك الحرية لمن يريد من قاطنيها في المغادرة او البقاء وعدم التعرض لهم، وهي النقطة الاصعب، ذلك ان منطقة ادلب، باتت تعج بعائلات المسلحين ما قد يصعب اي عملية عسكرية ضدها، يضاف الى ذلك عامل اقليمي طارئ يتمثل «بفرملة» الدوحة حركتها سوريا وتجميد اتصالاتها مع طهران نتيجة دفع واشنطن للرياض على الساحة السورية، وهو ما نعكس اشتباكات بين مجموعات فتح الشام و«سرايا اهل الشام»، على خلفية ما يشاع عن قرار شبه مبدئي بالانسحاب من منطقة الحدود اللبنانية – السورية باتجاه ادلب، في مفاوضات لا ناقة للدولة اللبنانية فيها ولا جمل.
واذا كان هذا وضع مسلحي جبهة فتح الشام فان وضع مسلحي الدولة الاسلامية الذي يبلغ عددهم حوالى 500 مسلح يبدو اكثر سوءا، اذ ترجح المعطيات ان نجاح تسوية انسحاب النصرة سابقا من الجرود كفيل وحده بإسقاط مواقع تسلك الجماعات في ظل رفض القيادة السورية تأمين ممرات انسحاب لهم، وان كان الخوف لا يزال قائما لجهة تسلل عناصر من البادية السورية باتجاه السلسلة الشرقية وهو ما يحصل بين الحين والآخر وإن بوتيرة اخف من السابق، بعدما شهدت المرحلة الماضية وصول اسلحة متطورة الى «داعش» عبر الصحراء من العراق.
مصادر مشاركة في «الاتصالات» اشارت الى ان قيادة حزب الله ابدت مرونة كبيرة وقدمت الكثير من المغريات والعروض وقد تم نقلها الى المسلحين، معتبرة ان الحزب يرغب في اغلاق ملف الحدود نهائيا وعدم ابقاء اي ثغرة يستفيد منها اعداؤه لالهائه عن معارك اساسية يستعد لخوضها وخصوصا في منطقة البادية السورية لقطع الطريق بين العراق وسوريا ما سيؤدي الى انهيار مجموعات «داعش» في الجرود تلقائيا وزوال خطرها عن القرى اللبنانية.
بالامس سرت معلومات عن استهداف امير فتح الشام ابو مالك التلي بعبوة ناسفة، ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول التوقيت بعد المعلومات عن قطع المفاوضات شوطاً كبيراً، والجهة المنفذة والهدف. فهل هي محاولة لازالة العقبة الاساسية من امام اي تسوية؟ ام ثمة من يحاول عرقلة الصفقة لاغراض لم تتضح اهدافها بعد؟ ام هو رسالة اقليمية بنكهة سورية.