طرح اللقاء الذي جرى بين السيد محمود عباس (أبو مازن)، ومتزعمة («خلق»)، سيلاً من التساؤلات حول الجدوى والهدف والفوائد التي تعود على قضية فلسطين وشعبها، وما هو سرّ هذه الاستفاقة المتأخرة جداً على وجود هذا التنظيم الإرهابي المعادي للعروبة والإسلام؟
تتداعى هذه الأسئلة وغيرها إلى الذهن في محاولة للفهم والاستنتاج، وقد حاولنا حصر الموضوع بالمسائل التالية:
1 ـ إن فلسطين في قضيتها العادلة والتي تنحو عميقاً في تكوين وعينا العربي والإسلامي والأممي، بقدر ما هي أمانة في أعناق الجميع، بقدر ما تحتاج إلى أن يكون من يتحمّل قيادتها، محيطاً وواعياً لدقة وحساسية موقعها واستراتيجية انتشارها، وأن يتوخّى الدقة في التعبير عن آفاقها والتزاماتها، فهي المكوّن الجامع المانع لدى الشعوب والحركات وبعض الدول، وبالتالي، فإن أي دور يجب أن يلحظ المصلحة العليا للقضية وللشعب، يتجرد عن الأهواء وبالابتعاد عن المبارزات السياسية والدخول في لعبة الاحتواء، أو الانزلاق في متاهات البحث عن أدوار مفقودة والاعتقاد بأن الذهاب إلى عمق الاشتباكات الإقليمية تعوم هذا أو ذاك، أو تؤمن استمراراً لدعم أو إبقاء على مصالح مهما اتسعت تكون ضيقة، ففلسطين بذاتها وبقضيتها يجب أن تكون خارج الاشتباك والاختلافات، بل هي القضية الجامعة وعلى هذا الأساس ينبغي أن يتعاطى من يتصدّر مشهد تمثيلها.
2 ـ إن فلسطين وشعبها هي قضية مقدسة وأولوية الأولويات للشعب الإيراني وللقيادة، وقد دفعت الثورة الإسلامية كل الأثمان الغالية من أجل هذا الموقف، ولم تنفع معها كل المغريات بالانقلاب على فلسطين، أو التوقف عن دعم قضيتها، لتصبح الدولة المدلّلة لدى الغرب، (حاضن الدولة الصهيونية وحاميها)، وللتذكير فإن لحظة الانتصار في العام 1979 كانت فجراً لفلسطين حيث أُعلنت السفارة الفلسطينية في مكان سفارة الصهاينة التي أُغلقت. ومنذ تلك اللحظة التي كان الشهيد الكبير أبو عمار شاهداً عليها والدعم والتواصل والتلاحم قائم كجزء من الاعتقاد الاستراتيجي، لقد تم صنع المعادلة الأساسية في زمن القيادات التاريخية، وبالتالي فإن هذه العلاقة راسخة، لا يمكن أن تتأثر بخطوة زلّت بها قدم قيادة راهنة لم تحسن أن تقرأ موقعها، واختارت عن غفلة أو اشتباه، أن تصبح خطواتها تصبّ في مصلحة طرف يفتح اشتباكاً مع الجمهورية الإسلامية بسبب وقوفها إلى جانب المقاومة وفلسطين والشرفاء، ويجيّر حركته إلى رصيد هؤلاء.
لا يشكل اللقاء مع هذه الجهة الإرهابية أي تأثير على إيران وشعبها، لكن من حقنا أن نسأل، تحت أي عنوان تم اللقاء؟ أهي حركة تحرّر أو رفقة سلاح؟ أم نضال مشترك؟ أم للشكر على ما قدمت للقضية؟ أم ماذا وماذا؟
3 ـ إن أقسى أنواع الألم هو الإضرار بالذات، فهل مصلحة فلسطين وشعبها وقضيتها ومعاناتها، أن تصبّ حركة قادتها في مصلحة عدوها الصهيوني؟ فمَن يعمل مع جبهة «خلق» من العرب ومَن نصح أبا مازن ورتب لقاءه مع إرهابيي خلق، هم أنفسهم الذين يتواصلون مع الصهاينة لكسر حاجز العداء ولجعلهم مقبولين عند الشعوب العربية والإسلامية ويجيش عربياً وإسلامياً ويمهد الأرض لمقولة الجبهة الواحدة مع الصهاينة في مقابلة إيران وخطرها، ويصبح الصهيوني الحليف والصديق، فهل يدرك أبو مازن أن هذا العمل ضد مصلحة فلسطين؟ ويؤدي لتعميق الشرخ مع إيران ليكسب الصهاينة؟
إنها خطيئة كبرى بحق فلسطين وشهدائها ومناضليها وكل شعبها ومستقبل أجيالها.