إتصل، أمس، مسؤول إداري كبير بصديق قائلاً: الآن صار بإمكاني القول إنّ سلسلة الرتب والرواتب باتت محسومة. وعندما استفسره الصديق: وعلى ماذا تستند في هذا الجزم؟ أجاب على الرئيس نبيه بري، وأضاف: لقد حسمها أبو مصطفى فقد تبيّـن لي من كلامه اليوم (أمس) أن القرار بات مفعولاً، إذ ليس من «تقاليد» دولته أن يكون جازماً في أمر أو موقف أو قضية ثم يتراجع عنه.
وكان في تقدير الإداري الكبير أن مشروع السلسلة سيكون بنداً رئيساً على جدول أعمال أول جلسة تشريعية يعقدها مجلس النواب خصوصاً وان الرئيس بري أعاد ضرورة إقرار السلسلة الى الوضع الإجتماعي الدقيق الذي يعانيه اللبنانيون في هذه المرحلة الحسّاسة إقتصادياً.
سنوات طويلة مضت من دون أن يحظى الموظفون في الإدارات والأسلاك العامة بأي زيادة على مرتباتهم وتعويضاتهم التي تآكلها التضخم والإرتفاع غير المسبوق في الأسعار بحيث بات المرتّب أو التعويض لا يكفي لتغطية تكاليف الحياةإلاّ لأيام معدودة من الشهر.
وما ينطبق على الموظف في القطاع العام ينطبق بالضرورة على معظم موظفي القطاع الخاص.
طبعاً لا يفوت المراقب أنّ الأزمة الإقتصادية لا تشكل ضغوطاً على الموظف وحده، في القطاعين العام والخاص، إنما هي تضغط (وبقوّة) على الهيئات الإقتصادية وأرباب العمل عموماً بمن فيهم رب العمل الأكبر، أي الدولة التي تعاني خزانتها شبه خواء، إن لم يكن خواءً كاملاً باعتبار أنّ الدين العام بلغ حدوداً تلامس الخطر.
فأين الحل، إذاً؟
على صعيد شخصي لسنا نملك خبرة في هذا المجال، إنما لدينا من التجارب والإطلاع ما يجعلنا ندعو الى ترشيد الإنفاق. وهذا ليس شعاراً يطلق في الهواء، وليس هو بدعة جديدة. وإضافة الى ما يعرفه الناس جميعاً من التهافت على «البلع والزلع»، وعلى عينك يا تاجر، يمكننا أن نذكر سريعاً الآتي:
أولاً – الى متى ستبقى إدارات الدولة تتصرّف بعيداً عن سياسة عامة للمشاريع؟ الى متى تبقى وزارة التصميم غائبة؟ فلا يُحفر طريق هنا ثم يعبّد بالإسفلت، وبعد أسابيع معدودة يعاد الحفر لإمداد خطوط الهاتف وأيضاً يعاد التزفيت… حتى إذا مضت أسابيع أخرى أُعيد الحفر مراراً وتكراراً (للطريق ذاته) لمد أنابيب المياه… وتتكرر المسألة، المهزلة ذاتها مرة ثالثة ورابعة من أجل أنابيب الصرف الصحّي الخ… وهذا إنفاق لا مبرر له على الإطلاق.
ثانياً – هل تطلع علينا الدولة (وزارة المال والموازنة تحديداً) ببيان دقيق حول الإنفاق على السفر غير المجدي لهذا الوزير أو لذاك الموظف أو… وهي أرقام خرافية من دون أدنى شك.
وثالثاً ورابعاً الى ما هنالك من هدر… من دون أن تفوتنا المبالغ التي يمكن أن تحصل عليها الدولة من مرافق عديدة، كالأبنية البحرية المخالفة على سبيل المثال لا الحصر. وبالتالي فإن تمويل السلسلة في اليد لو أرادوا… فالهمّة… الهمّة… يا دولة الرئيس نبيه بري.
ألا رحم اللّه الرئيس عمر كرامي الذي قال غير مرة: اضبطوا الإنفاق وأنا كفيل بالخروج من الدين العام خلال خمس سنوات.