وسط العتمة السياسية الناشئة عن هذا التهاون في موضوع إنتخاب رئيس الجمهورية وكيف أنه لم يبق مسؤول عربي أو دولي وكذلك المرجعيات الدينية اللبنانية التي يتسم كلامها بالحكمة التي تواكب حنكة بعض أهل السياسة،جاءت الدعوة التي نقلها السفير علي عواض عسيري إلى الرئيس نبيه بري من رئيس مجلس الشورى الدكتور عبدالله بن محمد بن ابراهيم آل الشيخ لزيارة المملكة العربية السعودية.
قد تبدو هذه الدعوة متأخرة بعض الشيء خصوصاً أن الرئيس بري كانت حركة زياراته نشيطة دولياً في السنتيْن الأكثر صعوبة اللتيْن تعيشهما العلاقات العربية والإقليمية..وبالذات ما يخص الوضع السوري وتوأمه الوضع اللبناني.أما الزيارة الأكثر ضرورة التي لم تتم فكانت زيارة المملكة العربية السعودية.لكن ها هي الدعوة وعلى نحو المثل السعودي«ما تأخر مَن جاء»وصلت مرفقة بأطيب الكلام من جانب ناقلها علي عواض عسيري الذي لو أردْنا إحصاء تمنياته على مدى خمس سنوات الصعاب اللبنانية لوجدْنا أنه أكثر الذين أخلصوا في دعواتهم رموز العمل السياسي والحزبي والحركي إلى كلمة سواء تخفف من ثُقل جبل التعقيدات على الكاهل اللبناني وطناً وشعباً.وهو في دعواته وتمنياته يجسِّد ما يتمناه أهل الحْكْم في المملكة ومعهم الشعب السعودي للبنان في زمن الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمة الله عليه والمتواصلة في عهد خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز..إمتداداً لعهد الملك فهد رحمة الله عليه.
زيارات الرئيس بري عموماً موفقة وعموماً ذات عوائد لمصلحة تمتين الأواصر.لكن زيارته المقبولة دعوة داعيها مرشحة لأن تكون «أم الزيارات»ذلك أن رؤية أبو مصطفى ماضياً وحاضراً ودائماً أن العلاقة المستقرة لأي بلد عربي مأزوم مع السعودية هي الحل للأزمات مهما إشتدت وطأتها.وعندما يزور الرئيس بري السعودية فإنه لا يحمل معه أثقال أزمة لبنان فقط وإنما أثقال الأزمة السورية كون معادلة اﻠ«س.س» لم تغادر رؤيته.وحيث أن تباشير التسويات السياسية تلوح في الأفق فإن ما يمكن أن تثمره الزيارة إلى السعودية سيكون موضع إرتياح الأطراف كافة.
وبالنسبة إلى لبنان بالذات فإن المشاكل المستجدة بأهمية المشكلة العالقة والمتصلة بفراغ الجمهورية من رئيسها الماروني.ومن شأن رؤية الرئيس بري بالنسبة إلى المشاكل المستجدة ترطيب الأمور بحيث تصبح التسوية ممكنة،ذلك أن المملكة تجد في البعيد عنها ما يعكر العلاقة معها،من جانب«حزب الله» وفي الوقت نفسه لا تجد أمامها المرجعية الشيعية اللبنانية المتفَهمة التي تعالج الأمور بمفهوم رجل الدولة الحريص على لبننة الطائفة بمفهوم تقديم الولاء للوطن على الإلتزام بالحليف.ومثل هذا الأمر يستطيع الرئيس بري في حديثه مع أهل القرار السعودي توضيح ما من المناسب توضيحه وترطيب ما من الضروري ترطيبه في الجفاف الذي يسود تربة العلاقات والحذر السعودي من شيعية«حزب الله» وذلك على أساس أن العروبة في شيعية حركة«أمل» التي يتزعمها بري حاضرة فيما هي ثانوية في شيعية«حزب الله»..أي بكلام أكثر وضوحاً إن «شيعة نصرالله» ليسوا مثل«شيعة بري».ونفترض أن الحذر والحظْر ومعهما إجراءات الحجْب الفضائي أمور قد تلقى المعالجة الموضوعية خلال الزيارة.فكما أنه بات من الضروري«سعودة شيعة المملكة»فإنه من الضروري«لبننة شيعة نصرالله» حيث كلاهما متناغم مع الآخر إلى جانب التناغم مع الشيعية الحوثية.وعندما يحدث ذلك لا تعود العلاقات عرضة للتأزم الذي يؤسس لعداوات.
وهذا هو المأمول من أبو مصطفى إنجازه في زيارة يزيِّنها القولان المأثوران للإمام علي كرَّم الله وجهه«من تبصَّر في الفطنة تبيَّنت له الحكمة»،و«آلة السياسة سعة الصدر»،ونتمنى أن تكون«أم زياراته».
والله الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل.