لو كانت غابريال شانيل على قيد الحياة لاستدعت صاحب وكالة الدار التي تحمل اسمها في لبنان، نقولا شماس، على عجل لتهنئته: ابنة البائع المتجول التي انتشلتها الراهبات من دار الأيتام لتعليمها الخياطة، بدأت في سن المراهقة العمل في معمل خياطة قبل الظهر، وفي ملهى ليلي بعده. هناك، تعرفت كوكو شانيل على أحد الأثرياء الذي موّل إطلاقها أول زجاجة عطر. ظن الرجل أنه فاز بقلبها إلى الأبد، لكنها سرعان ما تعرفت الى من كان أكثر ثراء منه، فانتقلت إليه ليفتح لها أول معمل خياطة.
لم يكد يمر عامان حتى انتقلت إلى ثالث فرابع ثم خامس، لتصل إلى مبتغاها من الشهرة والمال. أما حامل رايتها في لبنان، فكان يحمل كتاباً يجمع فيه نظرياته ويجول بين الصالونات، مقدماً دراسة تلو الأخرى عن أوضاع الشباب والبطالة وغيرهما. تلميذ الوزير جورج قرم واصل الدوران في فلك الرئيس سليم الحص على أمل الحصول على مقعد نيابي أو وزاري، حتى اكتشف أن مصلحته تقتضي الانتقال إلى الضفة الأخرى، وتحديداً حضن رئيس غرفة التجارة في بيروت محمد شقير. وما تصريحه أول من أمس، سوى محطة في مسيرته الحافلة: حين سعت الحريرية السياسية الى سلب العمال الحقوق التي أقرها مجلس الوزراء لهم، أطلق شماس وصف «الاتفاقية التاريخية» على الصفقة التي نجح بإبرامها، نيابة عن الرئيس فؤاد السنيورة، مع رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن. وحين بلغت المواجهة من أجل إقرار سلسلة الرتب والرواتب ذروتها، أطل هاتفاً: نحن نطاع ولا نطيع.
في ظل انشغال الوزير السابق طارق متري بقضايا أممية، تقدم خليفته خطوات في حمل راية «الفكر المستقبلي»، طمعاً في رضى السنيورة لإحلاله محل النائب نايلة تويني في المقعد الأرثوذكسي في الأشرفية. إلا أن الحظ «خدمه» كثيراً أول من أمس، فبات صاحب «أبو رخوصة» على كل شفة ولسان. وفّر القناع الحريريّ الجديد للدفاع عن السطو المتواصل على وسط بيروت كل الزخم اللازم للاحتجاجات لتسمية الأشياء بأسمائها، بعدما نسي كثيرون، أو تعايشوا مع، الاستملاك الحريريّ غير المسبوق حتى في «دول التأميم» التي يكرهها شماس. لم يكن استعادة وسط المدينة وارداً على جدول الاحتجاجات. إلا أن العالم الافتراضيّ أوحى أمس أن «الحراك» عبر أخيراً الجدران الحزبية والمذهبية والسياسية وغيرها: الكل من دون استثناء يريد أن يكون وسط مدينته له، ولا أحد من جماهير الأحزاب يعتبر أن استعادة هذا الوسط من سارقيه يمسه شخصياً. إنها صفحة جديدة فتحها «البطل» نقولا شماس.
نيكولاس ينتقد الشيوعيين فيما ابنته تعيش في الصين. يحاضر بالوطنية فيما ابنته الأخرى تضع على «فايسبوك» أنها من بوسطن – لا من بيروت – وتعيش في برلين. لبنان الذي تسوّقه هذه العائلة في أحد الفيديوات تصله بزورق بحري لتبدأ التنقل عبر الأنهار الدافقة بين وديانه وجباله وبحره، مخترقاً أحراجاً خضراء ليس فيها كيس نفايات واحد. هو يسكن على أطراف حي سرسق فيما مكتبه في حي التباريس. لا يرى نفايات أو يشمها، لا يسمع بانقطاع الكهرباء، لا يعلم شيئاً عن أسعار الشقق السكنية، لا يفهم معنى السوق الشعبي، ولا يعلم أن الأكثرية الساحقة من أهالي الأشرفية نفسها يجلسون على خط الفقر مرعوبين من احتمال وقوعهم تحته في أية لحظة. خريج كلية الهندسة في الجامعة الأميركية في بيروت حرص على تزيين سيرته الذاتية بإشارة الى مروره في جامعة هارفرد. أما الأبرز فهو توصيفه نفسه بأنه «مستشار استراتيجي في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية»، وهو ما بدا واضحاً أول من أمس. وقد انطلقت أمس حملة كبيرة تدعو كل من شعروا بالاهانة من كلام شماس وكل من يريدون وسط مدينتهم أن يكون لكل اللبنانيين لا لأثرى الأثرياء فقط، أن يقاطعوا كل محطات البنزين التابعة لشركة «مدكو» التي ورثها وشقيقه ريمون من والدهما. وينتظر أن يحمل شباب إحدى مجموعات الحراك النفايات من أمام منازلهم، مطلع الأسبوع المقبل، إلى متاجر شانيل وفروع مصرف Cedrus الذي يحتل شماس منصب نائب رئيسه.
شاعر بلاط الأمراء السعوديين يعتمد دوماً التكتيك نفسه في الإيحاء لمن يحاوره أنه يؤيده لكنه يختلف معه في الأسلوب. أما الأهضم فهو برنامجه الانتخابي الذي يتعهد فيه بـ: أولاً، العمل لحماية الحريات والحقوق الأساسية للمواطنين. ثانياً، مصالحة المجتمع اللبناني مع نفسه. ثالثاً، رفع مستوى معيشة العائلات. رابعاً، إحياء مختلف القطاعات الاقتصادية. خامساً، حماية الطابع الحضاري لبيروت. ولا ينقصه سوى بند إضافي يتعهد فيه تلوين أنفه بالأحمر وارتداء ثياب مهرج والرقص فوق كرة الثلج المتدحرجة. علماً أن شماس اكتشف أول من أمس فقط أن كل من يبتسمون لسخافاته لا يضحكون له، إنما يضحكون عليه.