IMLebanon

الأزمة “تنخر” ركائز التربية وتهدّد بـ”تطيير” العام الدراسي

 

المدارس والهيئات التعليمية والتلاميذ يدورون في حلقة مفرغة من “اللاحلول” و”المالية” تَعدُ بمتابعة المطالب

 

تعطّلَ العام الدارسي 2021/2022 قبل أن يبدأ. الأزمة الاقتصادية أرخت بكل ثقلها فوق هيكله “الهش” القائم على مثلث المدارس، الهيئة التعليمية، والطلاب. فقوضته قبل أشهر طوال، محدثة زلزالاً كبيراً. إلا أن الموجات الارتدادية لم تهز “الأونيسكو”، ولا غيرها من المقرات الرسمية، “المحصنة” باللاحلول، إلا قبل أيام من الاعلان عن العودة الى المدارس. فانتفضت على عجل محاولة لملمة العام بـ”التي هي أحسن”، لكنها لم تدرك أن المشكلة أصبحت “فالج لا تعالج”.

 

ليس في جعبة المسؤولين أي حلول ترضي المعلمين/ات في القطاعين العام والخاص وتحفزهم للعودة إلى المدارس. خلاصة أدلى بها رئيس رابطة اساتذة التعليم الثانوي الرسمي، نزيه جباوي على هامش المؤتمر التربوي لحزب “الكتلة الوطنية اللبنانية”، الذي عقد في الجامعة اليسوعية تحت عنوان “أولويتنا الإنسان وسلاحه العلم”. كلمات مدير عام وزارة التربية فادي يرق، والأمين العام للمدارس الكاثوليكية ومنسق اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة الأب الدكتور يوسف نصر، المصرة على تحدي الصعاب وتذليلها والعودة الحضورية إلى المدارس سريعاً، قوبلت برد بسيط جداً من جباوي حيث قال: يبلغ متوسط راتب المعلم 3 ملايين ليرة شهرياً. وهو ينقسم على الشكل التالي: مليون ليرة بدل مولّد خاص، مليون ليرة إيجار مسكن ومليون ليرة بدل تعبئة 3 صفائح بنزين للذهاب والإياب من المدارس. فكيف لنا أن نعيش بهذا الراتب لمدة شهر من دون أن نحتسب أكلاف المأكل والمشرب والتدفئة والحاجات الأخرى؟ جباوي الذي اعتبر أن “الراتب يجب أن يكون بالحد الأدنى 10 ملايين ليرة”، أكد “انفتاحهم في القطاعين العام والخاص على النقاش والحوار للتوصل إلى الحلول. وهم ينتظرون ما ستقدمه وزارة المالية في الاجتماع الذي سيعقد اليوم (أمس) ظهراً بين هيئة التنسيق النقابية ووزارتي المالية والتربية في المالية.

 

العجز عن تلبية المطالب

 

“عين” وزارة المالية “البصيرة” تقابلها “يدها القصيرة”. وإن أرادت أن “تطوّلها” لتلبية مطلب تخصيص 500 مليار ليرة لبنانية (150 مليار ليرة للمدارس الرسمية و350 ملياراً للمدارس الخاصة، اقرها مجلس الوزراء في حزيران 2020 كمشروع قانون معجل لدفع رواتب المعلمين واجور العاملين فيها)، ورفع رواتب المعلمين والمعلمات بما لا يقل عن 150 في المئة، واعطاء مليون ليرة عن كل تلميذ (1000 مليار ليرة سنوياً)، فلن تصل يدها أبعد من مطبعة مصرف لبنان أو فرض المزيد من الضرائب. والحلان تضخميان يأخذان في اليسار ما يعطيانه في اليمين. لذا لم يسفر الاجتماع بين المالية والقطاع التربوي الذي عقد بعد ظهر أمس عن أي نتائج عملية، بل وعد بمتابعة كل المطالب المطروحة دعماً للقطاع التربوي بشقيه الرسمي والخاص”.

 

على جبهة المدارس الخاصة الأمور ليست زهرية. فالمعلمين/ات لن يبدأوا بالتعليم في الكثير من المدارس قبل اعطائهم الدرجات الست وتحسين الرواتب وظروف العمل وتأمين وسائل النقل من وإلى المدارس. وقد كان نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود حاسماً في هذا الاتجاه مؤكداً انهم مع هيئة التنسيق النقابية على صوت واحد من أجل انصاف المعلمين والمعلمات. أما المدارس فتقف عاجزة عن الالتزام بالقانون 515 الذي يوزع موازنة المدرسة بين 65 في المئة أجور و35 في المئة للنفقات الاستهلاكية وتطوير المدرسة. فمع انهيار سعر الصرف أصبحت 35 في المئة تشكل النسبة الاكبر لانها بالدولار فيما انخفضت حصة الأجور لانها مقومة بالليرة. ومن دون تعديل هذه المادة يستحيل على المدارس وضع موازنة منطقية.

 

كلفة النقل لا تحتمل

 

في الشكل يظهر أن الهيئة التعليمية في المدارس الرسمية والخاصة لن تفتتح العام الدراسي. ولكن ماذا عن الطلاب؟ وأين هم من كل هذه الأزمة؟ وهل باستطاعة الأهالي ارسالهم إلى المدارس في ما لو سلمنا جدلاً توصل الأخيرة مع طاقمها التعليمي إلى اتفاق عملي؟ يجيب رئيس اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة ريمون فغالي بان “المشكلة بالنسبة لذوي الطلاب تنقسم إلى 4 أجزاء وهي: الأقساط المدرسية، القرطاسية، الكتب والنقل. والعمل جار على حل كل عقدة على حدة.

 

الأقساط، ما زالت تسدد بالعملة الوطنية وعلى سعر صرف 1500 ليرة. وأغلبية المدارس تقدّم الحسومات وتتساهل بالتقسيط، وتبحث عن مساعدات لتسديد نفقاتها. وهي لن تشكل عائقاً حتى لو زادت في الكثير من المدارس بنسبة تتراوح بين 20 إلى 30 في المئة. أما بخصوص المدارس التي تطلب دفعة بالدولار أو تحتسب سعر الصرف بغير قيمته الرسمية، فبامكان الاهالي تقديم شكوى بحقها أمام وزارة التربية وهي مسؤولة عن معالجة الخلل. الكتب، تنقسم إلى جزءين الأول مستورد ويسدد على سعر الصرف في السوق الموازية، والآخر وطني وتطالب دور النشر بتسديده على سعر 9 آلاف ليرة. ومن الممكن اعتماد اجراءات لتسهيل تأمين الكتب مثل تشجيع التبادل بين الطلاب. القرطاسية، بمعظمها مستورد وهي تسدد على أساس سعر الصرف في السوق الموازية. والمدارس تأخذ هذا الواقع بعين الاعتبار وتحاول قدر المستطاع التخفيف من متطلباتها. أما بخصوص النقل، فيمثل المشكلة الأكبر خصوصاً انه ارتفع 6.5 مرات، وضربت كلفته على الطلاب بثلاث مرات على أقل تقدير. وفي بعض المدارس ستكون كلفة النقل أعلى من القسط. واذا لم يتم ايجاد الحل بين الوزارء المعنيين وتحديداً المالية والطاقة فان لا احد من المدارس والاهالي والاساتذة قادر على تحمل كلفته.

 

لا عودة إلى المدارس قريباً

 

أمام كل ما تقدم يستنتج الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين أنه “من المستحيل العودة إلى المدارس بعد أيام كما هو مقرر. وإن بدأنا اليوم بفكفكة العقد ودراسة كل حالة بحالتها كما هو مفروض، فبالامكان فتح المدارس مطلع العام 2022 وقسمته إلى عامين دراسيين. بحيث يبدأ العام الاول من كانون الثاني لغاية أيار، والعام الدراسي الثاني من حزيران ولغاية تشرين الاول. ذلك أنه قبل بدء المعالجة الجدية لأزمات الرواتب والنقل والاقساط من المستحيل الحديث عن انطلاقة جدية للعام الدراسي. ففي مقابل ارتفاع كلفة السلة الغذائية من 450 الف ليرة في نهاية العام 2019 إلى 3 ملايين ليرة، وزيادة كلفة المعيشة بنسبة 566 في المئة، ما زالت أجور ورواتب الهيئة التعليمية في القطاعين العام والخاص تتراوح بين 1.5 و5 ملايين ليرة بالحد الاقصى. والزيادة الوحيدة المحققة هي رفع بدل النقل من 8 إلى 24 ألف ليرة. ومع هذا يبقى رفع بدل النقل قليل جداً اذا اعتبرنا أن سعر صفيحة البنزين سوف يصل بعد رفع الدعم إلى 284 ألف ليرة في حال بقي سعر الصرف على 20 الفاً. من هنا يرى شمس الدين أن “المطلوب زيادة الرواتب بنسبة 150 في المئة وليس بين 25 و30 في المئة كما يُبحث، ورفع أقساط المدارس الخاصة بين 30 و50 في المئة. إلا أن هذه الطروحات المنطقية تواجه بعجز الدولة عن تأمين الاموال وعدم قدرة الاهالي على تحميل الزيادة في الاقساط وكلفة النقل”.

 

مدخل الحل بـ”إعادة الهيكلة”

 

بنظرة على أرقام أعداد المدارس والاساتذة وتوزع الطلاب بين الرسمية والخاصة التي عرضها شمس الدين يظهر الخلل الحقيقي الذي نما على مدار السنوات الماضية وانفجر اليوم في وجه الجميع: ففي لبنان 2796 مدرسة تضم 1053000 تلميذ. أي أن هناك مدرسة لكل 376.6 طالباً وهذه النسبة تعتبر من الأعلى في العالم. ومع هذا فان المشكلة الأكبر ليست في عدد المدارس، انما في تقسيمها بين رسمي وخاص وتوزيعها الجغرافي. فالمدارس مقسمومة على الشكل التالي: 1236 مدرسة رسمية تضم 384 ألف تلميذ يشكلون 36 في المئة من مجمل عدد التلامذة و41458 استاذاً. في المقابل يوجد 1164 مدرسة خاصة تضم 514 ألف طالب و45 ألف استاذ. و331 مدرسة خاصة مجانية تضم 116 ألف تلميذ و6450 أستاذاً. نستطيع أن نستنتج أن هناك مدرسة رسمية واحدة لكل 310 تلاميذ، فيما يوجد مدرسة خاصة لكل 441.5 تلميذاً. ومع هذا لا تستطيع المدارس الرسمية استيعاب الزيادة في أعداد المسجَّلين الجدد وهذا ما برز العام الماضي، بحسب شمس الدين، عندما زاد اعداد المسجلين في الرسمية بمعدل 44 ألف تلميذ. والسبب هو سوء توزيع المدارس جغرافياً وانشاؤها في الكثير من المناطق وتحديداً جنوباً من قبل مجلس الجنوب للاعمار لتنفيعات سياسية. فبقيت المدارس بمعظمها مقفلة والعاملة منها تضم بضع عشرات من التلاميذ. في المقابل لا يجد سكان المدن، وتحديداً بيروت، مقعداً واحداً شاغراً في المدارس الرسمية.

 

على غرار بقية القطاعات يتطلب قطاع التعليم إعادة الهيكلة الشاملة المصحوبة بدعم المدرسة الرسمية وتعزيز دورها وحوكمة الخاصة وزيادة الشفافية. وإلا فان عماد الوطن وسبب تميزه معرض للهدم والاضمحلال في السنوات القادمة.