IMLebanon

تسريع حلّ القضايا الاجتماعية يمهد لحلّ الأزمات الحكومية

 

أوساط سياسية تدعو أركان السلطة في البلاد

الى مشروع متكامل لصالح الدولة والمواطنين!!

رأت الباحثة في معهد تشاثام هاوس في لندن السيدة دوريس بيكو ان معاهدة سايكس بيكو لم تكن استراتيجية، بل كان الغرض منها تحقيق هدف على المدى القصير، يتعلق بالتحالف البريطاني – الفرنسي خلال الحرب العالمية الأولى.

وبعدما عرضت الباحثة للأسباب التي وقّعت المعاهدة لأجلها، أوضحت ان توزيع الأدوار والنفوذ والسيطرة السياسية والتقسيمات التي حصلت في فترة ما بعد الحرب مباشرة، كانت نتيجة معاهدات دولية وحروب ونزاعات واتفاقات ثنائية، مضيفة ان الأحداث التي جرت كانت محاطة بمجموعة من الأسباب والظروف التي أدت الى حدوثها، وسيقت من خلال استراتيجيات وخطط دقيقة، ما يعني ان الاتفاق الذي حصل بين السيد سايكس والسيد بيكو صانعي ذلك الاتفاق لم يكن إلاّ جزءا من أحجية دولية لتقسيم المناطق ورسم حدود الدول التي أقيمت على أساس تلك الحدود. وأشارت الباحثة الى انه خلال العقود الماضية والتحولات التي حصلت كانت كبيرة، في موازين القوى العالمية والاقتصادية والايديولوجيات وهذا أمر يروق للقادة الحاليين والمفكّرين والناشطين السياسيين الذين يريدون ان يروا تغيّرا في النظام الاقليمي.

ولفتت السيدة دوريس بيكو الى ان ما يجب ان نتعلمه من اتفاقية سايكس بيكو هو صياغة مجموعة من المبادئ أو حدّ أدنى من المعايير للتعامل مع الفوضى التي لا يمكن تجنّبها عند صنع السياسات الجديدة.

هل ما يحدث الآن في لبنان، أو على رقعة الشرق الأوسط، يشير الى أسباب ما يعتري هذه المنطقة من مفاجآت قد تعيد الى الأذهان، ما كان السيدان سايكس وبيكو يخططان لأحداث تقع بعد نصف قرن من التغييرات في معظم بلدان الشرق الأوسط.

والسؤال الأبعد تأثيرا طرحه المفكّر العالمي يوري زينين، عندما قال انه لا يمكن عزل التاريخ العالمي المعاصر لشعوب الشرق الأوسط ومصائرها عن اتفاقية سايكس بيكو التي رسمت حدودا مصطنعة للمنطقة، وأوضح انه ما خصّ منطق الانتداب، هو الرفض الروسي لذلك النظام الذي كان مفروضا على الدول العربية، ولذلك، فقد رفضت المشاركة في ان تكون احدى الدول المنتدبة.

 

ولفت الى ان هناك حالة عدم رضا على اتفاقية سايكس بيكو من جهات عدّة، ذلك ان تركيا مثلا كانت تدّعي ان تلك الحدود مصطنعة، وحرمتها من تأثيرها في المنطقة.

ويقول الكاتب البريطاني جيمس بار ان سايكس بيكو كان مبنيا على ان الاتفاقية زرعت بذور وعد بلفور خلال خمسة أشهر حاسمة من كانون الثاني، ذلك ان مارك سايكس كان يريد من الاتفاقية حماية طريق الهند من قناة السويس، الى الحدود الفارسية التي رسمها أيضا شريكه جورج بيكو.

وهذه نقاط أساسية في ما يحدث الآن. ويحرص الرئيس الأميركي دونالد ترامب على احيائه في مناسبة مئوية جمال عبدالناصر في المنطقة، ولو في مواجهة سياسة الرئيس المصري الجديد السيسي.

وهذا ما يسعى الرئيس اللبناني العماد ميشال عون الىه عبر حلّ المشاكل الاجتماعية وفي مقدمتها الأقساط المدرسية وحقوق المعلمين في المدارس الخاصة، ومجمل التحديات التي تساور الهيئات الاجتماعية في البلاد، بعد تفاقم أزمة الترقيات في الجيش اللبناني، والخلاف الذي دار حول هذه المسألة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الممسك بزمام القضية، بانتظار تسوية ألمح اليها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري قبل سفره الى باريس والمتوقعة عودته منها اليوم، لأن زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي زرعت احتمال التوصل الى حلّ قريب ينعش البلاد بعد ذيول المحنة على مدى عشرة أيام على الأقل.

ويبدو ان رئيس البرلمان أدرك خطورة العودة بالبلاد الى نقطة الصفر، وبات أقرب الى التفاهم الثلاثي بينه وبين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، على حلّ واقعي لأزمة ضباط دورة العماد عون، منه الى الابتعاد عن الحلّ، ايمانا منه بأن تدهور الحلف الثلاثي بينه وبين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة قد يمهّد لانهيار اتفاق الطائف قبل انقضاء خمسين سنة على إقراره في السعودية، وان حرص العماد عون على الاتفاق مع رئيس الحكومة على وصوله الى الرئاسة الأولى قبل عام كان خشبة الخلاص للوحدة السياسية بين ثلاثي السلطة.

والمهم الآن ترك الأمور في عهدة الدستور. والحرص على تجميع البلاد في سلطة واحدة وموحّدة، والعمل على تكريس وحدة السلطة، ووحدة الدولة، وحمل الوزراء على تثبيت الاستقرار السياسي، وحلّ المشاكل الاجتماعية المتفاقمة، ولا سيما قانون الايجارات الذي بات يهدّد بطرد المستأجرين ودفعهم الى الشارع على حساب حلول جزئية لا يستفيد منها لا المستأجر ولا المواطن العادي، بل هو من صنع نواب همّهم الوحيد قمع المستأجرين ورميهم في الشوارع، ولو على حساب العدالة، لأن القانون السابق رمى المالكين في القهر والعذاب، والناس تريد نوابا لا نوائب.

ما هي قصة الوزير الشيعي، وماذا هو مبرر معارضة الرئيس بري والوزير علي حسن خليل لأقوال العماد عون وللبطريرك الراعي بأن توقيع الوزير علي حسن خليل على مرسوم لا يرتب أعباء على الخزينة لا لزوم له.

ويقول وزير سابق، ان هذه القصة أثيرت في عهد الرئيس سليمان فرنجيه، عندما طالب أركان الطائفة الشيعية الكريمة، بأن يكون لهم توقيع على المراسيم التي تسيّر شؤون الدولة. ويومئذ أعطي للوزير الشيعي الراحل الدكتور علي الخليل شأن التوقيع، على الرغم من ميوله اليسارية، لكن هذا الأمر لم يتحوّل الى قانون، ففي عصر الرئيس رفيق الحريري تولى رئيس الحكومة هذا الأمر، وبعد رحيله تولاه الوزير المسيحي جهاد أزعور كما تولاه أيضا الرئيس فؤاد السنيورة، الذي ظلّ بمهمة كاتب وزارة المال في أيام الرئيس رفيق الحريري حيث كان يتولى تسجيل أقواله.

إلاّ انه بعد رحيل الرئيس الحريري، أصرّ الرئيس نبيه بري على اسناد هذه الحقيبة الى وزير شيعي، وآلت الى الوزير علي حسن خليل، بعد انتقاله من وزارة الصحة.

وفي رأي رئيس الحكومة سعد الحريري ان ليس في الدستور عرف ينص على اسناد وزارة المالية الى وزير شيعي، وهذا ما جعله يوقّع على قرار رئيس الجمهورية بترقية الضباط الذين حرموا من الترقية في دورة عون، رغم طلب من الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء تجميد نشره، حرصا منه على عدم اثارة حساسية الرئيس بري، أو تلافيا لاغضابه.

وفي آخر جلسة لمجلس الوزراء في بداية السنة الجديدة يوم الخميس الفائت برئاسة رئيس الجمهورية، لم يطرح الموضوع للمناقشة، وهذا حق له، وربما، لأنه يعتبر ان توقيع رئيس الجمهورية كافٍ ولا بد من تجاوزه.

إلاّ أن رئيس الحكومة أبلغ وزير المالية بعد الجلسة بالأسباب التي جعلت تريثه سيّد الموقف، وانه سيعالج الأمر مع رئيس مجلس النواب لاحقا.

هل يكون ما حدث هدنة العام الجديد؟ أم تهدئة لا أحد يعرف متى تنتهي، أم ان رئيس مجلس الوزراء يعكف الآن على اعداد مخرج لهذه المسألة، تعيد التعاون الى سابق عهده بين الرؤساء الثلاثة.

وفي معرض تقويمه للوضع يقول أحد النافذين ان الرئيس نبيه بري وضع ورقة بيضاء في الانتخابات الرئاسية، الأخيرة حرصا منه على ارضاء حليفه في الثنائي الشيعي السيد حسن نصرالله، كما ان الوزير فنيش عضو كتلة الوفاء للمقاومة يقوم الآن بدور هادئ، لتصفية ذيول الأزمة بين القصر الجمهوري وعين التينة.

وفي هذه الأجواء، بدا واضحا ان الرئيس ميشال عون يحرص على ممارسة دوره السياسي في رئاسة الجمهورية ممارسة غير عادية فهو يريد التصرف كرئيس قوي للجمهورية وليس مجرّد رئيس يرضخ لكل الشروط، كما كان الأمر يتم في عصر الوصاية السورية.

وللأوساط السياسية حكمة تقول ان الرئيس سعد الحريري يتمتع بها، ولا بدّ من ان تظهر في الوقت المناسب بحيث لا ينكسر كلام رئيس الجمهورية، ولا يشكّل تراجعا لموقف رئيس البرلمان الذي سبق ان قال ان الموقف بيد رئيس الجمهورية، وكأنه يمهّد لحل مع الرئيس عون، ولا يرتّب مقلبا ضدّه، الأمر الذي يفتح طريق التسوية بين القصر الجمهوري وعين التينة، وان كان بعض نواب كتلة التغيير قد غابوا عن لقاء الأربعاء في عين التينة.

ويحذّر رئيس البرلمان من الاستخفاف بالأزمة الاجتماعية الراهنة، ويدعو نفسه أولا، وأعضاء كتلته النيابية ثانيا، والشعب اللبناني أيضا، الى المبادرة الى ضغوط سياسية تمهّد لتعديل سريع في القانون الجديد للايجارات، لأنه وصمة عار لا أحد يعرف بدقّة قصة مرورها أخيرا في البرلمان، لأنها سترمي العشرات وربما آلاف المواطنين في الشوارع، وتكون بمثابة عود ثقاب يشعل الثورة الاجتماعية لاحقا، وهذا هو الفقر الحلال في النظام البرلماني، ويقول انه اذا لم يتم تدارك الأمر بسرعة، فان الكارثة الاجتماعية واقعة.

ويستدرك: أنا أحاول ترميم الوضع طائفيا، لكن ترميمه اجتماعيا مسؤولية الجميع في البلاد.

الأحداث الاقليمية

في هذه الأيام الدقيقة، ومع نهاية العام وبداية السنة الجديدة، استيقظت فجأة الأحداث الاقليمية، خصوصا في ايران، وما تعنيه الجمهورية الاسلامية على صعيد الأحداث اللبنانية والعربية، وان كانت قد خفّت بعض فصولها أحيانا، لكنها على كل حال، اشارة غير ناضجة للتغيير في الجمهورية الاسلامية العريقة النفوذ، ولا سيما على صعيد تجرّؤ المتظاهرين في بعض المدن الايرانية ولا سيما في العاصمة طهران، على توجيه كلمات وشعارات وصلت الى قائد الثورة الايرانية.

طبعا، لا أحد يعرف من الآن حدود الغضب الايراني ووصوله الى الأقاليم والمدن الأساسية.

وفي الأجواء مخاوف من تصعيد اقليمي بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية في ايران، خصوصا بعد العمليات الأخيرة في اليمن ونجاح الحوثيين في اغتيال رئيس الجمهورية اليمنية السابق علي عبدالله صالح.

والأحداث المتسارعة في اليمن، جعلت الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي يناشد العرب المساعدة في القضاء على الحوثيين الذين استطاعوا في السابق تدمير الوحدة بين صنعاء وعدن.

وهذا ما دفع زعماء عرب آخرين من التحذير الجدّي من اتساع نفوذ الحوثيين على شواطئ البحر الأحمر.

إلاّ أن مجرد وقوع هذه الأحداث، وصدور تصريحات مؤيّدة لها عن الرئيس الأميركي ترامب مؤشر خطير، لكنه غير مخيف بالنسبة الى الثورة الاسلامية الايرانية، والى حزب الله ونفوذه اللبناني. وان كان هذا الحزب يفصل بين دوريه الاقليمي والايراني، وبين دوره على الساحة اللبنانية، حيث يعتبر هذا الحزب جزءا أساسيا من النسيج اللبناني الداخلي، وان كان يحلو لبعض الأحزاب اللبنانية ان تشير دائما الى السلاح الايراني وسلاح حزب الله كمعطّل للتوافق على الساحة اللبنانية، وهذا ما دعا رئيس الكتائب الشيخ سامي الجميّل الى تحديد رسمي لحدود العمل السياسي.

إلاّ أن أزمة مرسوم الضبّاط بين الرئاستين الأولى والثانية، تبقى مجرّدة من أي مبادرة عملية لنزع فتيل التصعيد بين الرئاستين الأولى والثانية، وان كان هناك قول بأن في البلاد رئاسة أولى واحدة.