IMLebanon

تسارع الصفقات حتم قمّة بكركي

يجمع المطلعون على اجواء القمة الروحية التي عقدت في بكركي لرؤوساء الطوائف المسيحية ، على انها جاءت في وقت حساس تضافرت فيه مجموعة عوامل خارجية وداخلية حتمت عقدها في هذه الحقبة الدقيقة التي تمر بها المنطقة ولبنان، حيث يعاني المسيحيون من اوضاع مأساوية، لا تبشر الحلول المطروحة انها سائرة نحو الافضل، وبعد اصطدام الجهود والاتصالات لعقد قمة مسيحية – اسلامية بنفس العوائق التي طيرت موعدها السابق في ايلول المنصرم.

من هنا اتت القمة لتذكّر بدور المسيحيين في الشرق بحسب مصادر مسيحية، ولتؤكد على ضرورة وجودهم الى الطاولة عند صياغة الحلول وعدم تهميشهم في الصيغ التسووية التي تُنسج، بالرغم من ان التطورات السياسية والامنية التي شهدتها عدد من الدول ساهم في تقليص دورهم الى حد كبير، دون ان يعني ذلك اختفاءهم او اضمحلال تأثيرهم في البلدان التي ساهموا في نهضة معظمها،حيث تلفت مصادر واكبت القمة وتحضيراتها، الى ان التحركات لن تقف عند حدود القمة، كاشفة عن اتصالات لتدعيم مقرراتها وجعلها واقعا عمليا، داعية الى مقاربة الموضوع كجزء من الحراك الدولي الكنسي والسياسي الذي خصصته دولة الفاتيكان في اطار متابعتها لاوضاع المسيحيين في الشرق،والاتصالات التي يقوم بها الكرسي الرسولي عبر موفديه الى روسيا وفرنسا لبحث هم الوجود المسيحي وكيفية صونه،تزامنا مع انتداب الحاضرة أحد الاساقفة لاعداد دراسة عن اوضاع المسيحيين في المنطقة.

وتشير المصادر الى ان الاوضاع الاستثنائية والمفصلية التي تمر بها المنطقة عموما ولبنان خاصة في ظل الفراغ والشلل المستحكمين، بانتظار التسويات التي تُرسم للأزمات والتي يعمل عليها على صعيد دولي، قد تصل الى تغيير أنظمة برمّتها لارساء أخرى، بحسب ما المح اكثر من لاعب فاعل ، حتمت ضرورة ايجاد موقف مسيحي موحد تجاه ما يحضر من مشاريع جديدة ، بخاصة ان المكون المسيحي متجذر في المنطقة وجزء لا يتجزأ من نسيجها الديموغرافي ومن تركيبتها الحضارية، وهو اول المتضررين من اي حلول قد تأتي على حسابه ،كما دفع ثمن المواجهات.

ورأت المصادر ان اجماع الاساقفة على الدعوة الى انجاز الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت، تحصينا للواقع اللبناني أكان مواكبة للتسوية المرتقبة أو تفاديا للنيران المشتعلة في المحيط، وفقا للصيغة الافضل ، ستستكمل بسلسلة خطوات عملية «مبتكرة»،بعدما اثبتت لقاءات الاربعة الكبار فشلها وعقمها،ما فرض ضرورة أن يقوم رجال الدين بدورهم، «فالساكت عن الحق شيطان أخرس»، وبالتالي لا يجوز السكوت عما يقوم به بعض السياسيين في إدارة شؤون الدولة،فواجبات رجال الدين الوطنية تنطلق من ايمانهم بضرورة عدم السكوت والإستمرار في رفع الصوت، لكشف الطبقة السياسية الفاشلة،لافتة الى أن الضعف يصيب مَن لا يتجاوب مع طروحاتها.

واعتبرت المصادر ان ملء الفراغ هو باب الحل لازمات التهميش ولانهاء الشلل و«الحملة المنظمة» التي يتعرض لها الحضور المسيحي في الادارات والمؤسسات العامة وضرورة مراعاة التوازنات في توزيع المقاعد والمناصب، مشيرة الى ان القمة وضعت خريطة طريق لمتابعة مجمل القضايا المطروحة والاهم انها خرجت بموقف مسيحي موحد من التطورات محليا واقليميا، ما سيسهل الطريق مستقبلا امام عقد قمة مسيحية – اسلامية، حين تنضج ظروفها،علما ان لقاء رؤساء الطوائف المسيحية ليس بديلاً عن القمة الروحية المشتركة، لدورها في تعزيز الوحدة بين الطوائف، وفي بلورة رؤية مشتركة، ازاء التطّورات السلبية الناتجة عن الفراغ الرئاسي الذي أدى الى تعطيل الدولة ككل والأجهزة التابعة لها، يضاف الى ذلك الأوضاع الصعبة في المنطقة والوجود السوري الكثيف في لبنان، وانعكاس ذلك على النواحي الاجتماعية والاقتصادية والوضع السياسي لا سيما لجهة الإخلال بموازين القوى، وبالتالي هذه النقاط تجعل من أي اجتماع وإن كان من فئة واحدة ايجابياً.

وهنا نص البيان الذي اصدره مطارنة الكنائس الشرقية في القمة الوحية التي انعقدت في بكركي:

1 – يعبر الآباء عن فرحهم في هذا اليوم بالاحتفال بالعيد الوطني عيد بشارة العذراء مريم، العيد الوطني الذي يجمع المسيحيين والمسلمين، ويعلنون تمسكهم بالقيم الدينية الروحية والأخلاقية، التي تدعو الى محبة الله وقبول الآخر في الإنسانية دون تمييز، وبتعزيز الوحدة الوطنية بالمواطنة الحقة، إذ من دونهما لا يمكن مواجهة المعضلات التي يعاني منها لبنان.

2 – يؤكد المجتمعون على ضرورة إعطاء أولوية قصوى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بموجب الدستور، بعد شغور هذا المنصب منذ اثنين وعشرين شهرا، وما نتج عنه من تبعات خطيرة على كل مؤسسات الدولة اللبنانية، وعلى أمنها بالذات.

3 – يناشد الآباء المسؤولين في لبنان إيلاء سلامة البيئة، بكل مكوناتها،أهمية كبرى، إذ يشكل إهمالها خطرا داهما على صحة جميع المواطنين.

4- يطالب المجتمعون جميع المعنيين بالشأن العام أن يعملوا بجد ونزاهة على مجابهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، والتي تطول بسلبياتها معظم المواطنين، ولا سيما الشباب منهم الذين لا يجدون سبيلا الى العيش الكريم سوى الهجرة. كما يصرون على ضرورة تحقيق الشراكة الحقيقية في إدارة شؤون الدولة والتي توحي بالاطمئنان لجميع المواطنين.

5- يذكر المجتمعون بضرورة العمل على الخروج من الإرباك الحاصل، على مستوى علاقات لبنان بعدد من الدول العربية، وتأثير ذلك على شريحة كبيرة من المواطنين في لقمة عيشهم.

6- يعرب المجتمعون عن رفضهم للحروب التي فرضت على عدة بلدان في المنطقة منذ سنوات، ويستنكرون التدخل الإقليمي والدولي في هذه الحروب، ولاسيما في سوريا والعراق، وذلك بتغذية الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح والتغطية السياسية والإعلامية. وهم يخشون ارتدادات هذه الصراعات المخيفة على سائر بلدان المنطقة، بما فيها لبنان، ويرفضون الكلام عن إعادة ترسيم الحدود في بعض هذه البلدان. كما يستهجن الآباء استخدام الخطاب الديني المتطرف لإذكاء الصراعات وتبرير القتل وتكفير المواطنين، إلى أي دين انتموا، وفي أي بلد وقع ذلك، في الشرق أو الغرب.

7- يناشد الآباء جميع المسؤولون العمل الجدي على درء موجات التطرف والإرهاب، وعلى دعم الجيش الوطني في لبنان والبلدان المعنية، للتصدي لها ومعالجتها بكل الوسائل المتاحة. وهم ينددون بشدة بجريمة اقتلاع المسيحيين وغيرهم من المكونات المستضعفة من أرضهم في العراق وسوريا، وبما سبق ولحق ذلك من قتل وتهجير وتشريد لهؤلاء الأبرياء، مما يرقى إلى درجة «الإبادة» للشعوب والحضارات العريقة في الشرق الأوسط، على غرار ما حصل منذ مئة عام في الأمبراطورية العثمانية.

8- يدعو الآباء المجتمع الدولي إلى العمل جديا على حل القضية الفلسطينية، بإقرار وتنفيذ مبدأ الدولتين وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم؛ وعلى إيجاد حل سلمي للحروب الدائرة في المنطقة، ولاسيما في سوريا والعراق، والتي تسببت بنزوح أكثر من مليون ونصف مليون سوري إلى لبنان، بالإضافة إلى النازحين العراقيين، واللاجئين الفلسطينيين الموجودين فيه منذ سنة 1948. وهذا ما يزيد الأزمة اللبنانية خطورة، إذ لا يملك لبنان القدرة على توفير الملجأ والعيش الكريم للنازحين. ويشدد الآباء على أن الحل السياسي للصراعات القائمة في المنطقة هو الوحيد المتوخى، كي يعود جميع النازحين إلى ديارهم. وبانتظار ذلك يحتاج لبنان إلى الدعم القوي من قبل الدول والمنظمات الدولية، كي يتمكن من مواجهة هذه المعضلة المصيرية.

9- يذكر المجتمعون بأن الكنيسة ستبقى أما روحية أمينة لدعوتها، فتبذل كل جهدها، مع ذوي الإرادات الحسنة، من أجل المحافظة على العيش معا، مسيحيين ومسلمين، بالاحترام المتبادل لحقوق جميع المواطنين وواجباتهم، والتعاون في إعادة بناء الوطن الواحد، وإغناء الحضارة التي كونوها معا، بالرغم من الصعوبات التي تنشأ من وقت إلى آخر. كما يدعون أبناءهم وبناتهم الروحيين الى تفعيل الحضور المسيحي ودوره في بلدان الشرق الأوسط، بحكم المواطنة والتاريخ، من أجل مواصلة الإسهام الفاعل في تقدم بلدانهم.

وإذ يشكر الآباء المجتمعون أخيهم البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي على ضيافته، يودون أن يعبروا له عن تهانيهم بالذكرى الخامسة لاعتلائه الكرسي البطريركي، داعين له وللكنيسة الانطاكية السريانية المارونية بفيض النعم والبركات، يغدقها الرب المنبعث ممجدا من الموت، بشفاعة أمنا السماوية مريم العذراء سيدة البشارة. المسيح قام، حقا قام».