قبل يومين التقيت أحد الوزراء في عشاء بدعوة من صديق محترم، سألت الوزير عن صحة ما بثته إحدى القنوات التلفزيونية حول بعض الاتهامات الموجهة إليه من أحد الموظفين، فأجابني: كذب بكذب، وبالرغم من أني أستطيع أن أحاسب على طريقتي، إلاّ أنني كوزير سألجأ الى القضاء… سيبيّـن القضاء من هو الفاسد ومن هو الذي يخالف القانون ومن هو المرتشي.
سألته: وهل أنت واثق من القضاء؟ فأجاب: طبعاً وسوف ترى النتيجة! وأضاف: المشكلة أننا في لبنان لا نحاسب ولا نذهب الى معالجة الأمور بالطريقة الصحيحة، فقط نكتفي برمي التهم… والكلام الخطير يجذب الناس… ولكن هذه المرة سوف أبرهن لك الفكرة.
قلت له: انني معك وأنا أؤمن بأنّ معالجة أي قضية يجب أن تكون بعيدة عن الدعاية، وأنّ قضاءنا اللبناني عندما لا يتدخل فيه السياسيون فإنه من الأفضل في العالم…
ذكرني هذا الموضوع ببعض الأحداث التي جرت منذ العام 1970:
منذ وصول المغفور له الرئيس سليمان فرنجية الى سدّة سلطة الرئاسة في ذاك العام، والعمل الأوّل الذي قام به هو محاسبة ضباط “المكتب الثاني” (هكذا كانت تسمية مديرية المخابرات يومذاك) من غابي لحود الى سامي الخطيب الى سامي الشيخة الى نعيم فرح وبالمناسبة فإنّ نعيم فرح كان صديقاً للرئيس فرنجية، ومع ذلك وبناءً لرغبة ريمون إدة وصائب سلام قام بمحاسبتهم ففروا الى سوريا… أما العقيد غابي لحود فذهب الى اسبانيا وبعد سنوات تبيّـن أنّ هؤلاء الضباط كانوا أبرياء ولكن في الإعلام كتب عنهم بأنهم سرقوا المليارات وافتعلوا وعملوا ما لا يُعمل وفي النهاية بانت براءتهم… أضف أنّ ما تعرّضوا له جعل لبنان مكشوفاً أمنياً(…).
من هنا نقول إنّ موجة الإتهام لها جمهور يطرب لسماع فلان سرق مليون دولار وفلان سرق مليار وفلان أصبح من كبار الأثرياء بعدما استطاع من خلال موقعه في الدولة الحصول على مبالغ ضخمة سرقها من مال الدولة الذي هو مال الشعب.
تكررت هذه الحادثة عندما جاء السيىء الذكر إميل لحود رئيساً للجمهورية فأوّل عمل قام به كان محاسبة جميع “المحسوبين” على شهيد لبنان الكبير الرئيس رفيق الحريري… والكل يتذكر تلفزيون لبنان الذي كان ينشر على أساطير مزعومة عن: “سرقوا البلد، نهبوا البلد” وغيرها من الشعارات… ثم جاءت الانتخابات النيابية العامة في العام 2000، لتسقط وتهزّئ تلك “المحاكمات السياسية” للشهيد الكبير الذي فاز بأكبر كتلة نيابية في تاريخ المجلس النيابي لوحده وبالرغم من محاربة السوريين له… وهنا أعني المخابرات السورية في ذلك الوقت وعلى سبيل المثال النائب أحمد فتفت نال أكبر عدد من الأصوات بالرغم من أنه كان مرشحاً منفرداً ضد كتل السلطة والمخابرات… وفي بيروت سقط رئيس حكومة الانتخابات وهو الرئيس سليم الحص، وكانت أول مرة بتاريخ لبنان يسقط رئيس حكومة في الانتخابات وهو في السلطة!
وفي الحكومة السابقة كان بطل الاتهامات وبطل شاشات التلفزة من دون منافس الولد الشاطر وفلتة زمانه الوزير وائل ابو فاعور الذي ملأ الدنيا بالاتهامات ضد المطاعم ومستودعات بيع الاغذية فأساء الى سمعة لبنان في العالم… والعجيب الغريب اننا لم نرَ محاكمة أي من هؤلاء الفاسدين أو السارقين أو المرتشين.
لا نقول هذا الكلام دفاعاً عن أحد، ولا يهمنا أحد، ولكن نفضّل أن تكون المعالجة بطريقة موضوعية وسرية وعندما تتبيّـن صحة الاتهامات وتصدر الأحكام عندئذٍ يحق لأبو فاعور أن يقول ما يريد… ولكن إصدار الاتهامات، ثم لا شيء فماذا تكون المحصلة؟!. تكون الإساءة لسمعة بلدنا وإعطاء صورة للعالم اننا متخلفون ودولة فاشلة.
وهذا ما لا يرضى به أي مواطن لبناني شريف.
عوني الكعكي