لا يحقّ لكلّ من استمع الى دعوة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى التفاوض مع الرئيس بشار الأسد أن يستغرب مضمونه طالما أنه ربطها بنتائج الضغوط عليه لتسهيل انتقال للسلطة في دمشق على حسابه وليس العكس. لكن يحقّ لمَن يتوجّس من انقلاب اميركي مفاجئ أن يقلق أكثر، وهو ينتظر معركة تكريت لقراءة النتائج وحجم أيّ تفاهم ممكن مع طهران. فكيف ولدت هذه المعادلة؟
قبل ساعات على استئناف المفاوضات الأميركية – الإيرانية في شأن الملف النووي الإيراني في اللقاء الذي جمع في لوزان وزير الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، أطلق كيري دعوة إلى الحوار مع الرئيس السوري بشار الأسد في إطار ما نصّ عليه «جنيف 1» من أجل حلّ الأزمة السورية.
فشكلت الدعوة قنبلة فراغية مدوية في سماء دمشق وتطايَرت شظاياها في دول الجوار السوري نتيجة الخلاف في ترجمة مضمونها وإصرار كلّ طرف من طرفي الصراع على ترجمتها كلّ على هواه.
مَن يرغب في أن يرى مفاوضات اميركية – سورية مباشرة او أيّ إشارة لإشراك النظام السوري في معركة الحلف الدولي على «داعش» في سوريا، توقّف عند الدعوة الى الحوار مع الأسد، وتجاهل الشروط الأميركية التي حدَّدها كيري قبل ولوجه.
وتحديداً عندما لفتَ الى انتظار حصيلة الضغوط الدولية التي تقوم بها بلاده بالاشتراك مع حكومات أخرى بهدف الضغط عليه للدخول في مفاوضات تضمن انتقالاً للسلطة يُنهي الحرب في سوريا. وهو ما يعني أنّ أيّ مفاوضات يجب أن تقود الى حلٍّ على حساب النظام، وليس من أجل ديموته وبقائه في السلطة كما عادت وأكدت وزارة الخارجية لاحقاً.
في المقابل، هناك من يخشى تحوّلاً أميركياً يمكن أن يتم في أيّ لحظة إذا ما نجحت القيادة الإيرانية في إقناع الولايات المتحدة بصوابية عمليتها العسكرية في العراق من أجل القضاء على «داعش» بأدواتها الخاصة، ومعها الحشد الشعبي العراقي الشيعي وإمكان ترجمتها بنسختها السورية بعد العراقية، وخصوصاً إذا ما ضمنت القيادة الإيرانية «عملية نظيفة» في تكريت ومحافظة صلاح الدين تُنهي الملاحظات الأميركية على العملية القائمة هناك وتبديد المخاوف من انتهاكات شيعية لخصوصيّة المنطقة السنية، ما يُهدّد باستيلاد المشاكل الإضافية في العراق ويرفع من نسبة المخاوف لدى أطراف في الحلف الدولي ويُهدّد التفاهمات مع دول الخليج العربي.
وعلى هذه الخلفيات، تترقّب الأوساط الدبلوماسية في بيروت بقلق نتائج العملية العسكرية في تكريت ومفاوضات لوزان في آن، لكنها تحتسب النتائج من منظار جديد. وهي توقفت أمام وقف العملية العسكرية الإيرانية – العراقية المشتركة في تكريت في منتصف الطريق بحجة توفير الدعم العسكري للقوات الشيعية المهاجمة.
وهو ما عَدّته تريثاً إيرانياً لابتزاز الإدارة الأميركية التي كانت تتطلع الى العملية على أنها نموذجية في شكلها ومضمونها وتوقيتها. فإذا نجحت ايران فيها يمكن الإتّكال عليها ومعها الحشد الشعبي ولَو كان شيعياً للقضاء على ما تبقى من «داعش» في الموصل وسامراء وكركوك وسهل نينوى وسط الدعم الجوي الذي وفّرته قوات الحلف الدولي المشتركة.
وتخشى المصادر الديبلوماسية نفسها أنّ الرهان سيبقى قائماً على العملية الإيرانية في تكريت لتجاوز مشروع توفير القوى السنيّة التي يمكن أن تقوم بالعملية وما تحتاجه من وقت لتجهيزها، وهو ما يسمح بالوصول الى تفاهم ايراني – أميركي ينعكس على حلفاء الطرفين.
وعندها ما الذي يمنع من إصرار الإيرانيين على حلّ لمسألة «داعش السورية» وفق «التجربة العراقية»؟ فالأميركيون الذين تحدثوا عن فوارق كبيرة في التجربتين أكّدوا أنّ الشريك العراقي الموثوق متوافر وليس له ما يشبهه في سوريا الى اليوم. وهو ما يعني أنه من المُبكر الحديث عن شراكة مع النظام السوري.
وبناء على ما تقدّم، تبدو المراجع الديبلوماسية في حال من التريّث إزاء الطرح الأميركي الجديد لجهة ما يتضمّنه من التباسات تُرضي طرفي الصراع في المنطقة. ذلك أنّ هناك فئة لا ترغب في التصديق بأنّ من المحتمل تحقيق تفاهم أميركي – إيراني في سوريا على غرار التوافق القائم في العراق. فالأولوية التي يحظى بها العراقيون لم تتوافر للسوريين بعد. ومن لا يأخذ بهذا الرأي ما عليه سوى الانتظار!