Site icon IMLebanon

«إنجاز» على الطريقة الإيرانية!

ماذا يعني الاتفاق الإطار الخاص بالمشروع النووي الإيراني، في تفاصيله وعناوينه العريضة سوى انكسار ذلك المشروع؟ وتراجع أصحابه عن أهدافهم الفعلية؟ وانكسار طموحهم الجموح بامتلاك سلاح تدمير شامل، يأخذ نفخ الذات الى مصاف الهلوسة التامة؟

لم يتوقّع أحد، كلاما غير الذي قيل ويٌقال وسيُقال من قبل قادة إيران وأتباعها، عن نتيجة المفاوضات مع الأميركيين والدول الكبرى. فهو (كلام) شبيه الى حدٍّ ما، بالكلام الذي أعقب الاتفاق المبدئي بين واشنطن وهافانا، والذي كسر حاجزاً ظلّ قائماً على مدى ستة عقود تقريباً.. الجامع المشترك بين اللغو في الحالتين هو مفردة «رضوخ» الأميركيين والغرب (كله؟) أمام «الثورة الكوبية أولاً ثم أمام «الثورة» الإيرانية ثانياً… وإزاء منطق مثل هذا، يصير العبث ترفاً مُشتهى!

«انتصرت» كوبا في محصلة صراعها المرير مع الأميركيين حسب ذلك النفخ اللغوي «الثوري» البائس. أما كيف حصل ذلك طالما أن الركيزة الايديولوجية للنظام الكوبي تحطمت وثبت عقمها وعجزها أمام «التطور الحتمي والتاريخي» لليبرالية الفكرية والسياسية والأسواق المفتوحة والتجارة الحرّة والعولمة بكل معانيها وأطرها، فذلك غير مهم! المهم أن واشنطن «ركعت» أمام المثال الكوبي، وقرّرت الهجرة الى جنّته الماركسية في البحر الكاريبي متوسّلة قبول طلبها باللجوء الاستسلامي!

و»انتصرت» إيران في مشروعها النووي حسب ذلك النفخ اللغوي «الثوري» الموازي في بؤسه. أما كيف حصل ذلك، وهي لم تستطع أن تصل الى ما وصلت إليه باكستان مثلاً على صعيد «القنبلة»، ولم تستطع أن تبني حيثية نفوذية واحدة من دون اعتماد الارهاب والعنف وكل سياق غير قانوني وغير شرعي؟ ولم تتمكن في النهاية من تحمل ذلك الكمّ والنوع من العقوبات الاقتصادية والمالية القارصة؟ وأذعنت أخيراً أمام إرادة دولية (جامعة بالمناسبة) فذلك غير مهم! المهم في أدبيات الممانعة الايرانية وأعرافها، هو أن «انتصاراً إلهيًّا» آخر قد تحقق وفي وجه «كل العالم». هكذا دفعة واحدة!

قد تحمل الاتفاقات الجيو-سياسية بعض الالتباسات المقصودة بما يعطي لكل طرف معني بها حيّزاً معقولاً ومحدوداً لتفسيرات تبرّر تنازله هنا وتشدّده هناك. وذلك مفهوم وطبيعي ويكاد أن يكون عرُفاً مُلازماً لمدوّنات التسويات في عالم اليوم.. لكن في الشأن التقني الخاص بالاتفاق على «المشروع النووي» هناك دقّة حسابية تتعلق بكل فاصلة ونقطة وكل موقع انتاج وكل عنصر وكل كمشة تراب وكل سطل مياه وكل كاميرا وكل تفصيل، ولا مجال لأي استطرادات أو تأويلات أو ترجمات خاطئة.. وكل تلك التفاصيل أنتجت حصيلة واحدة ومحددة وشبه نهائية في الاتفاق الإطار، ألا وهي: ان محاولة ايران لإنتاج قنبلة نووية انتهت وصارت من الماضي. ولا شيء آخر.

أمّا رواية «الفتوى» التي تحرّم امتلاك تلك القنبلة، فمن الواضح، أن أحداً فوق هذه الأرض لم يأخذ بها، لا من قريب ولا من بعيد.. وإلا لماذا كانت كل تلك المفاوضات لو أن المشروع النووي الايراني كان مخصصاً، حسب الادعاء، للنواحي المدنية والسلمية؟!

هزيمة المشروع الإيراني في جنيف، تحولت عند أبواقها انتصاراً.. وذلك طبيعي طالما أن المكابرة الفارغة تجعل «رفع» العقوبات بديلاً موازياً عن «رفع» الصواريخ النووية!