لا يختلف عونيان على الولاء للعماد ميشال عون. الزعيم الذي حيكت وتحاك في وجهه «المؤامرات الدولية»، فتراه يقف وحيدا يقاتل. قد يكون هناك من قرر الوقوف الى جانبه. يرحب ولكنه لا يعوّل. يكتفي بشخصه، فشخصه حالة بذاتها. هذه الحالة التي نمت على يديه من كلمة ومنشور وموقف وشعار، تحولت قاعدة عريضة أهّلته للعودة على جناح «تسونامي» الى «لبنان العظيم» وأعطته مفاتيح الانفتاح على كل القوى السياسية على قاعدة «الند للند» في الشراكة الوطنية.
تعاطى العماد العسكري بـ «أبوة» واضحة مع «عونييه»، المحازبين منهم والمناصرين. يدلّع البنات منهم اكثر، ربما لأنه «أبو البنات». وهم، من جهتهم، يتقبلون منه اي شيء: مزاحه، غضبه.. حتى احلامه المستحيلة. وبعد زمن الحرب حلّ زمن السلم وكل «الحالات» الى التأطير في مؤسسات حزبية، حضرت الانتخابات.. فـ «التسوية».
داخل الراية البرتقالية ثلاثة تموجات. جميعها تقول الكثير في اعلان «التسوية»، ولكن جميعها ايضا تبقى ضمن اللون البرتقالي الواحد واسمه ميشال عون. من رحب بالحل يمكن تصنيفه في خانة «الحزبي الملتزم» على قاعدة ان النقاش داخل الحزب يمكن ان يصل الى «سطوح بيروت»، ولكن عندما تدق الساعة فـ «كلمة القائد هي التي تمشي».
يعتبرون ان ما حصل «جنّب التيار خطر الانقسام حتى في امور قد يراها البعض بسيطة ولكنها اكثر من جوهرية وكانت الاساس في تحركات التيار في زمن النضال. بعضها يتعلق بصداقات عمرها من عمر النضال العوني، فأتت هذه القصة لكي تصنف بأن فلانا محسوب على ألان وآخر على جبران، وكأن المقصود تضييع البوصلة».
ولكن ما هو المتوقع من حزب عجز حتى عن خوض انتخابات ديمقراطية داخلية ان يخوض بلدا؟ يجيب هؤلاء: «هذا كلام حق يراد به باطل. ففي كل مسارات الحالات النضالية لا يمكن توقع الخطوات الكبيرة بدعسة واحدة. في كثير من الاحيان عليك ان تضحي بالمظهر الخارجي اذا كانت الصحة عليلة ريثما تحقق التوازن المطلوب بين الاثنين، لأن المضمون اهم من الشكل». اصحاب هذا الرأي يؤكدون ان «هذا ما تفكر به الاكثرية الصامتة في التيار الوطني الحر، والتي لم تشأ لكل هذه البلبلة ان تحصل لأنها فتحت على الجنرال ابواق بعض الشمّاتين الذين ينتظرونه على غلطة. في القاعدة العريضة، الكل كان مع التوافق على ما يريده الجنرال، ولكن قلة قليلة اعتبرت نفسها مظلومة في مكان ما فأرادت ان تحارب بسيف ألان عون».
من رفض انسحاب ألان عون من السباق الانتخابي يحارب التسوية بشعارات التيار. يقول هؤلاء: «لماذا لم يدعوني أقرر؟ فأنا اخترت ان اكون حزبيا في التيار كما اخترت ان اكون مسيحيا. لم يجبرني احد على ذلك». يعلنون ثقتهم بخيارات «الجنرال» السياسية والوطنية والاستراتيجية، ولكن في الداخل «ليس المطلوب ان نكون كالغنم نُساق الى تسويات لا رأي لنا فيها». يذهب بعضهم، ممن كانوا في حملة ألان عون الانتخابية، الى حد القول انه «ربما لو لم تحصل التسوية لكنت انتخبت جبران.. ولكننا حرمنا من الفرصة»، واصفين ألان عون بـ «الخائن».
اللافت للانتباه في الفريقين ان ميشال عون حاضر في الخلفية. هذا ما يريده «الجنرال» وهذا ما لا يريده. بالكاد تظهر شخصية جبران أو ألان. هذا ما يجعل فريقاً «وسطياً» من ضمن التموجات البرتقالية الثلاثة، يعتبر ان «كل المسألة التي حصلت تعود الى فريق معين داخل التيار لم تتوافق بعض خياراته في السابق مع الجنرال، فأتى اليوم ليقول له أنك أخطأت هنا ونحن كنا على صواب. ولكن ليسمحوا لنا، نحن خط الدفاع الاول عن الجنرال ولن نقبل ان يقال له كلام من هذا النوع». يعتبر هؤلاء ان «لا جبران ولا ألان أهل لتسلم موقع رئاسة التيار الوطني الحر. وفي النهاية توصلوا الى تسوية تختصر باعطاء الرئاسة لجبران نزولا عند رغبة الجنرال، والابقاء على القرار في يد مجلس مكون من مجموعة من القياديين».
باب الترشح ما يزال مفتوحا ولو اعلن التوافق، ولكن العونيبن جميعهم يقولون: «انا لا اواجه الجنرال». فيأتي من يرد: «طالما انك تسلّم بعدم مواجهته فسر بخياره من الاساس من دون نشر كل هذا الغسيل البرتقالي الذي لم يظهر بعد عن بذرة زعاماتية جديرة بأن تستحق أن تكون الخليفة».
قد يكون عون اراد ان يوصي برئيس حزب كـ «وصية اخيرة» لمناصريه ولكنه عاجز، كما غيره، عن التوصية بزعيم او قائد، فهذا يولد بمفرده.. ومن دون انتخابات.