تركيبة النظام في لبنان لا مثيل لها في بلد في العالم، لذلك فإنّ معالجة الأمور لا يمكن أن تتم من دون الوفاق، بمعنى أدق فلننظر ما سبق انتخاب الرئيس ميشال عون بعد فراغ رئاسي تجاوز السنتين ونصف السنة بسبب عدم التوافق المسيحي.
من هنا ننظر الى أهمية «ورقة معراب» التي عبّرت عن التوافق المسيحي بين ميشال عون وسمير جعجع، وإثر هذه المصالحة أصبح الطريق الى بعبدا سالكاً وآمناً، وهذا الذي حدث بالفعل.
الانسان بطبيعته ينسى، ولكن مَن كان يتوقع هكذا توافقاً بين الرابية ومعراب في ذلك الحين؟
ولا بدّ من الإشارة الى الدور الذي أدّاه ابراهيم كنعان وملحم رياشي اللذان قرّبا وجهات النظر… وبالتأكيد لولا اقتناع عون وجعجع بضرورة التفاهم لمصلحة البلد لما تمّ الاتفاق.
فلا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، ومصلحة لبنان العليا فوق المصالح والإعتبارات كلها.
اليوم نحن أمام استحقاق مهم جداً يوازي استحقاق الرئاسة الأولى، فاليوم انتخاب رئيس المجلس النيابي وفي الغد رئاسة الحكومة فتشكيلها.
الوزير جبران باسيل كان هادئاً، على غير عادته وهو يعلن أنّه من حيث المبدأ الميثاقي لا يجوز معارضة انتخاب برّي الأقوى في طائفته… فكان وزير الخارجية واقعياً رافضاً القرار بالأوراق البيض لأنّه لا يريد أن يكون شبه إجماع مسيحي ضد رئيس المجلس الذي صحيح أنّه شيعي ولكنه رئيس مجلس «نواب الأمة» كلهم.
ولا ننسى أنّ الرئيس بري أقام طاولتين للحوار في زمن الفراغ الرئاسي، إحداهما بين «المستقبل» و»حزب الله» التي انتزعت فتيل الفتنة بين السنّة والشيعة فنقلتها من الشارع الى الطاولة… والطاولة الثانية هي للحوار الوطني التي كان يجمع حولها الأطياف اللبنانية كلها.
صحيح أنّ الطاولة الثانية لم تصل الى النتائج المرجوّة، ولكنها أكدت للجميع بأنه لا حكم سليماً في لبنان إلاّ بالوفاق.
أمّا المرحلة اللاحقة فهي التكليف فالتأليف، ومن الواضح والجلي أنّ الرئيس سعد الحريري سيكون هو من يُكلّف تشكيل الحكومة.
وصحيح أيضاً أنه من المبكر الكلام على أي شكل من أشكال التأليف، ولكن التشكيل يجب أن يتقدّم على أي أمر آخر خصوصاً أنّ دقة الوضع الاقتصادي لا تتحمل أي تأجيل، خصوصاً أنّ هناك استحقاقات إقتصادية بارزة أهمها تنفيذ بنود «سيدر 1» التي لا يمكن تنفيذها إلاّ بالتوافق التام، لانتشال لبنان من الصعوبات وتجنيبه العواصف والأنواء… لذلك نرى أنّ تأليف الحكومة سيكون سريعاً ضمن قاعدة الوفاق والتوافق، للتأكيد مرة ثانية على أنّ لبنان لا يحكم من فريق واحد مهما علا شأنه ومهما قال بعض منتفخي الرؤوس بعد الانتخابات الذين يزعمون انهم يريدون ترجمة انتصاراتهم الوهمية في الحكومة… فنقول لأصحاب هذه الرؤوس الحامية يجب أن يبردوها لأنّ حساب الحقل لا ينطبق مع حساب البيدر.
ولا يفوتنا أن نذكر أنّ الرئيس العماد ميشال عون أعرب عن رغبته في أن يكون استحقاق تشكيل الحكومة ضرورياً وعدم وضع العصي في دواليب التأليف.
عوني الكعكي