تظهر بعض الهيئات في هذه الأيام، حرصاً على العمل المصرفي، لكنه في الواقع حرص زائف، لأنه يحمل في طياته هدفاً واحداً، هو النيل من هذا القطاع، والعمل للقضاء عليه… ومن هذه الجمعيات نذكر جمعية «المحاسبة الآن» Accountability now، التي تأسّست في سويسرا من قِبَل محامية اسمها زينة واكيم ومحام اسمه وليد سنو، لقد استقطبت هذه الجمعية تعاوناً من مؤسّسات فرنسية وسويسرية عدّة، متفرّعة عن مؤسّسة المجتمع المنفتح Open Society foundation، التي أطلقها المضارب جورج سوروس Soros، وهو من أصل هنغاري، وبدأ مضارباته على الأسهم والعملات مع شركات بريطانية صغيرة في أوائل الستينات.
لقد حظي سوروس هذا، بشهرة عالمية، حينما خصّص من أموال الزبائن ومن بعض ماله، مبلغاً موازياً لعشرة مليارات دولار مراهناً على ان سعر صرف الجنيه الاسترليني سينخفض بقوة، وكان الأمر محتملاً، لأنّ رئيس وزراء بريطانيا في حينها ووزير ماليتها عارضا رفع معدلات الفوائد على إيداعات الجنيه، تفادياً لضغوط التخفيض.
لقد تحقق الانخفاض بالفعل في 16 أيلول عام 1992، وربح سوروس من العملية أكثر من مليار جنيه.. يومذاك أحيل الى المحاكمة في فرنسا وحكم عليه أخيراً في حزيران 2006 بمبلغ زهيد نسبياً مقارنة بما حققه من ربح بلغ مليون يورو.
سيرة سوروس فضحها الاقتصادي المعروف عالمياً بول كروغمان Paul Krugman الذي فاز بجائزة نوبل لعلم الاقتصاد عام 2008، حين أشار بأنّ هناك تأثيراً سيئاً لسوروس على الأسواق المالية لممارساته غير القانونية.
ورداً على ما قاله كروغمان، أراد سوروس الذي يبلغ حالياً التسعين من العمر، اكتساب صورة المحسن والمسهّل للجمعيات التي تعمل لحماية المبادئ الاجتماعية، فأخذ يوزّع مساعدات لهيئات تعمل على انتقاد ممارسات السيطرة على الأسواق، ومن المؤسّسات التي حظيت بمساعدته «فاي نيوز» الفرنسية وغيرها، كما تبرّع سوروس بمبلغ 880 مليون دولار لإنشاء جامعات أوروبية في بلغاريا والنمسا عام 1991.
وننتقل من هذه المقدمة الى لبنان، حيث المناخ الإعلامي غير صحي… إذ تناولت بعض وسائل الإعلام خبراً مفاده أنّ حسابات اللبنانيين في البنوك السويسرية ارتفعت عام 2020 بما يساوي 2.7 مليارات دولار، كما أشارت وسائل إعلام أخرى الى تحويل 6.5 مليارات دولار من قِبَل 9 سياسيين لبنانيين..
إنّها المبالغات غير المدروسة، إذ كيف يكون هنالك تحويلات كبيرة، ومجمل أموال اللبنانيين في سويسرا هي 7.5 مليارات دولار عام 2021..
إنّ الأوضاع الاقتصادية والمالية تستدعي انتباهاً أكبر، واحتساباً أدق.
إيضاحاً أقول إنّ هناك إشاعات بعيدة عن الصحة. فاللبنانيون العاديون يستسهلون توجيه اتهامات لحاكم مصرف لبنان حينما يقولون: كيف يسمح الحاكم بالتحويلات؟ فالقانون كان ولا يزال يسمح بها…
ويتساءل اللبناني العادي: كيف للبنوك أن تخصص الدولة ومؤسّساتها بقروض تتجاوز نسب الاحتياط المطلوب؟
إنّ الواقع الذي لا يعرفه المواطن، ان بنود ميزانيات المصارف تخضع لمراجعة لجنة الرقابة على المصارف، وهي لا تخضع لأي مراجعة من قِبَل حاكم مصرف لبنان.
لقد ازداد الوضع سوءاً بعد قرار المجتمعين في بعبدا الخميس الفائت في 24 حزيران، الاستمرار في دعم نسبة من مستوردات مشتقات النفط وبعض الأدوية.
لقد أصرّ حاكم مصرف لبنان على أن تحظى الإجراءات بالمسار القانوني.
إنّ هذه الخطوات تدفع الاقتصاد اللبناني مع إقرار مشروع الكابيتال كونترول نحو حالة مماثلة للاقتصاد السوري.
إنّ مقارنة دقيقة للإشاعات الكاذبة، بالصلة التي ربطت بين «المحاسبة الآن» والـ «Open society foundation» تظهر بوضوح اثر المضارب سوروس على منظمة «المحاسبة الآن» ممثلة بزينة واكيم ووليد سنو.