Site icon IMLebanon

لعبة المساءلة من دون محاسبة

  

مسرح ساحة النجمة صار شغالا بعد مواسم من العطالة المفروضة بالاستقواء على النظام. ولا بأس في ان نتجاوز حديث الحسابات التي جعلت ساعة المحاسبة السياسية تدق على توقيت العملية العسكرية ضد داعش. ولا ضرر من التصور ان لدينا من فائض الديمقراطية ما يجب تصريفه بلا إبطاء في مناقشة عامة على نار. فالطقوس البرلمانية مهمة، ولو كان المجلس النيابي يناقش نفسه لأن الحكومة مجلس مصغّر. واللعبة مغرية، ولو بين مجلس مغتصب سلطة بالتمديد لنفسه بعد انتهاء صلاحيته وبين حكومة يتحدّى أعضاؤها هيبتها وتبدو في المنصب أكثر منها في السلطة.

ومع ان المشهد سوريالي على المسرح، فان الوقائع الملموسة لم تغب عنه. إذ كان من الصعب حتى على النواب الممثلين في الحكومة تجاهل الواقع السلطوي الزاخر بالفساد والصفقات والأخطاء والمحسوبية. وعلى الطريقة اللينينية في النقد والنقد الذاتي دارت المناقشة. المعارضون، وهم قلّة ممن ظلّوا بالخيار أو بالاضطرار خارج التمثيل في الحكومة التي ضمّت معظم الأطراف، مارسوا النقد بقوة ولو في اطار الأسئلة التي تكشف وقائع مخالفة للقانون. والممثلون في الحكومة، وبشكل خاص الذين يمثلون القوة المتحكمة بالوضع كله، مارسوا النقد الذاتي عمليا لكون المسؤولية الحكومية جماعية، وان سلّطوا الأضواء على ما يفعله المختلفون معهم وحجبوا ما تتناقل الناس قصصه عما يفعله أصدقاؤهم.

والحصيلة مسلسل فضائح سياسية ومالية وادارية من العيار الثقيل. هدر بالمليارات. سطو على المال العام بالحيل القانونية. تحويل الأملاك العامة الى أملاك خاصة بالنفوذ والرشوة. تحميل الناس أثمانا باهظة لفشل السلطة في حلّ مشاكل الكهرباء والنفايات والمياه وازدحام السير. وهذا قليل من كثير، وسط ممارسات أكبر وأخطر في الاقتصاد والسياسة. من دين عام بأرقام فلكية بلا خطة لوقف تناميه وليس فقط لبدء الايفاء به الى الاندفاع في صراع المحاور الاقليمية وسط الحديث عن النأي بالنفس. ومن التنافس الشديد على مواقع الطوائف في السلطة الى الخلاف الأشد على موقع لبنان فوق الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، وسط خوف البعض على مصير البلد واطمئنان البعض الآخر الى ان التحولات سوف تنتهي لمصلحته.

وليس أهم من كشف الحقائق سوى ما يقود اليه الكشف من عقاب واصلاح وتغيير. فما الجدوى من المساءلة ان لم تكتمل بالمحاسبة؟ وأين نصرف كثرة الشكاوى من الفساد مع تمتع الفاسدين الكبار بالحماية؟ يقول الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير: اذا أردنا السلام، فان من الصعب الحصول على الحقيقة والشفافية والعدالة معا. وما دمنا محكومين بالحفاظ على التركيبة السياسية بالجيّد فيها والسيّئ، فان العدالة ستبقى غائبة ولو حضرت الحقيقة والشفافية.