IMLebanon

حسابات الاتفاق النووي  وسيناريوهات ما بعده

ليس أهم من التوصل الى اتفاق على الملف النووي سوى الرهانات على مرحلة ما بعد الاتفاق. ولا أكبر من حاجة أميركا وايران الى اتفاق سوى تحديات التحول في سياسات البلدين على خارطة النظام الاقليمي. ولا يبدل في الأمر حرص واشنطن وطهران على التذكير يومياً بأن المفاوضات الماراتونية مقتصرة على الملف النووي، وانهما على استعداد لسيناريو اللااتفاق. والمفارقة ان القوى المحلية والاقليمية التي أدمنت الرهان على الاتفاق لوضع قضاياها المعلقة على جدول الأعمال، لا تعرف ماذا تفعل في حال فشل الاتفاق.

ومن الطبيعي عند اقتراب المفاوضات من المحطة الأخيرة أن يحمل الخطاب شيئاً من المرونة وشيئاً من التصلب. فاللعبة صارت مباشرة بين الرئيس باراك أوباما والمرشد الأعلى علي خامنئي. اوباما يخاطب الايرانيين، شعباً وقيادة، في عيد النوروز متحدثاً عن فرصة نادرة لإنهاء عزلة ايران الدولية ومركّزاً على فتح آفاق في الغرب أمام الشباب. وخامنئي يرى أن الرئيس الأميركي يحرض الشعب على النظام، ويتهمه بأنه كذاب تاركاً للجمهور في مشهد التلويح بالقبضات وتكرار شعار الموت لأميركا، من دون أن ينسى الحرص على التوصل الى اتفاق.

لكن كل طرف يطلب في الاتفاق ما يصعب الحصول عليه بالكامل، إن لم يتحول المطلب عقبة بسبب صعوبة التراجع عن مواقف معلنة. أوباما يريد رفع العقوبات بالتقسيط على مراحل تبعاً لسلوك ايران والتزامها التنفيذ. وخامنئي يريد رفعاً كاملاً للعقوبات فور توقيع الاتفاق. فضلاً عن ان ما يختصر رغبات ايران ومجموعة ٥١ هو المثل الفرنسي القائل: حلمان في سرير واحد. المجموعة حريصة على تشديد القيود والرقابة على النشاط الايراني للاطمئنان الى اغلاق أية نافذة يمكن ان تفتح لطهران سبيل العمل لانتاج قنبلة نووية. وطهران التي صارت تعرف كل دورة العمل النووي تحرص على ترك نافذة، ولو غير مرئية، تسمح، اذا صدر القرار، بالانتقال من المعرفة الى صنع السلاح.

والحسابات لا تتوقف عند الملف النووي. فما تفعله ايران هو تجميع الأوراق بحيث تفرض دورها في النظام الاقليمي على أميركا. وليس صدفة أو مجرد زهو ان يتكرر كلام المسؤولين على نفوذ ايران في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. وما تحاوله أميركا هو ارضاء أو أقله تطمين حلفائها الى ان الاتفاق ليس على حساب همومهم. فما يقلق اسرائيل هو ان تصبح ايران نووية، وليس أن يمتد نفوذها وتدخل في صراع مذهبي يريح الاحتلال. وما يقلق السعودية ودول الخليج هو امتداد النفوذ الايراني في الدول العربية، قبل السلاح النووي. وما يقلق تركيا هو النفوذ الايراني والقنبلة معاً.

واللعبة بين لاعب شطرنج ولاعب بيسبول.