سُرّبت قبل أيام خبريات تقول إن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف طرح على المسؤولين الفرنسيين خصوصاً (وغيرهم من الأوروبيين) مقايضة بين قبول طهران «هدنة» في سوريا في مقابل التعجيل بمقاربة الغرب لملف العقوبات على بلاده تبعاً لتتمات الاتفاق النووي العتيد!
وبالأمس، تسرّبت خبريات تقول إن إيران (وبواسطة ظريف أيضاً) طرحت على الغربيين، مقايضة انتخاب رئيس جمهورية في لبنان بالتسليم ببقاء بشار الأسد في سوريا!
لم تنفِ طهران أياً من الروايتين، لكنها في المقابل وللمفارقة قدمت ما يؤكدهما!
«المرشد« علي خامنئي عاد إلى مهاجمة كل من يراهن في إيران على علاقة مع الخارج، خارج سردية النزال والمواجهة والقتال ووضع الحراب في رأس جدول الأعمال! مستخدماً مصطلحات كانت خفتت أو تراجعت بُعيْد الإعلان عن الوصول إلى الاتفاق النووي ومعيّراً من «لا يزال» مقتنعاً بأن الأميركيين خصوصاً والغربيين عموماً يريدون علاقة جيدة مع بلاده، بأنهم فقدوا صوابهم، داعياً هؤلاء إلى عدم الانخداع في التعامل مع «العدو» الأميركي!
ما يلفت في هذا الكلام، مع أنه لا يخرج كثيراً عن أدبيات «المرشد« الإيراني، هو أنه يأتي بعد عودة ظريف من جولته الأوروبية خالي الوفاض، والأهم (من التوقيت) هو أنه يأتي ليناقض كلاماً آخر، كان قاله خامنئي نفسه (وخلال وجود وزير خارجيته في أوروبا) يدعو فيه إلى الإسراع في تنفيذ الشق المتعلق برفع العقوبات عن إيران ومن ضمن ذلك ما يتعلق بالقطاع المصرفي الإيراني.
ذلك في زبدته يدلّ على أمرين (أو يعيد تأكيدهما): الأول أن إيران كانت ولا تزال تجمع «أوراق» النفوذ في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وهي أوراق نكبات وويلات، لتطرحها على طاولة البحث في مصالحها الاستراتيجية الكبرى والصغرى، مع الغرب في الإجمال.. ولا يهمها بالعمق، كل الباقي! والثاني (المقابل) هو أن الغرب يربط تطور العلاقات الشاملة مع الإيرانيين بتغيير شامل في أدائهم! أي: مقابل التخلي عن المشروع النووي جرى فتح قنوات محددة ورفع جزئي لبعض العقوبات! لكن الملف النووي ليس (ولم يكن) وحده القصّة المفتوحة بين الطرفين! بل هناك، كما هو واضح، أداء إيران المستمر على وتيرته إزاء الخارج! وتلك ازدواجية ترتضيها إيران وتعتمدها، لكنها أعقد وأكبر بكثير من قدرة «الخارج» على قبولها أو التسليم بها!
ما يعنيه ذلك هو أن إيران تراكم الفشل في أدائها السياسي والديبلوماسي، لكنها لا تعرف كيف وأين تقف في اللحظة المناسبة! وقمة خطاياها افتراضها القدرة على لعب أدوار أكبر منها! ومن قدراتها! ومن إمكاناتها! والاستمرار باعتماد الشيء ونقيضه، أي الارتداد إلى مفهوم «الدولة« في الداخل، ومتابعة درب «الثورة» في الخارج! ثم متابعة الافتراض بأن الكرة الأرضية لا تعرف الدوران من دونها! وأن ابتزاز القريب والبعيد بالنار يمكن أن يُبقي حدائقها باردة!
ثم قبل ذلك كله: ماذا يعني حديث المقايضات سوى التجارة؟!