IMLebanon

تراكُم الأعراف يقضي على مقتضيات الدستور!

لن يطول الوقت ليُفتح ملفّ تعيينات القادة الأمنيين، بدءاً من المدير العالم لقوى الأمن الداخلي، وعليه تتعدّد السيناريوهات السياسية والقانونية ما بين خيارات التمديد أو التعيين وإلّا الإنابة. لذلك ضاقَ هامش المناورة أمام الجميع، وسط مسعى يدعو إلى عدم سلقِ أو استعجال المراحل قبل أوانِها. كيف؟

 

هل نسي البعض ان انتخاب رئيس الجمهورية يطوي الكثير من الإشكالات؟يَستعجل رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» البَتَّ من اليوم بتعيين القادة الأمنيين الجُدد، من المدير العام لقوى الأمن الداخلي باعتباره الاستحقاقَ الأوّل، لإحالته إلى التقاعد في بداية حزيران المقبل، وصولاً إلى قائد الجيش ورئيس الأركان في النصف الثاني من الصيف المقبل، وهو رفعَ مِن وتيرة الاتّصالات في الأيام القليلة الماضية محَذّراً من الخروج مِن مجلس الوزراء ولو أدّى ذلك إلى أن يكون وحيداً ما لم يتضامن معه حلفاؤه وحلفاء حلفائه، وسط اعتقادِه بأنّه سيقودهم إلى هذه المحطة، ولو أدّى ذلك إلى تعطيل آخر المؤسسات الدستورية في غياب رئيس الجمهورية.

لذلك يَعترف العارفون أنّ سعاة التهدئة ليس في يدهم سوى الدعوة إلى عدم حرق المراحل، فالأسابيع المقبلة ستأتي بالمواعيد الدستورية والقانونية لأيّ خطوةٍ ممكنة. لذلك تلاحقَت مساعي الوسَطاء بهدوء وحذَر مخافة الوقوع في أيّ دعسةٍ ناقصة. فالمؤسسات العسكرية والأمنية تخوض مواجهةً قاسية بالتكافل والتضامن في ما بينها مع الإرهاب في الداخل وعلى الحدود، ومَن تُلقَى على عاتقهم مسؤولية حماية البلد بالحد الأدنى الممكن عليهم إجراء الحسابات الضرورية السياسية والدستورية، على دقّتها، قبل التهَوّر في أيّ قرار يَتلبَّس القوانين المرعيّة الإجراء أو يتجاوزها.

وعليه، كشفَت مصادر واسعة الاطّلاع أنّ مشاورات الأيام الماضية ما زالت تتناول كلّ السيناريوهات المحتملة. فوزير الداخلية نهاد المشنوق لم يتّخذ قرارَه بعد بالتمديد للّواء ابراهيم بصبوص، لأنّه قرار يخضع لحسابات كثيرة، وسط اعتقاد يقول إنّ العودة إلى مجلس الوزراء واجبة الوجوب. فقرار التمديد الذي اتّخَذه وزير الدفاع قبل سنة ونصف السنة بالتمديد لقائد الجيش كان في ظلّ حكومةِ تصريف الأعمال وقد علّقَت إجتماعاتها، والمجلس النيابي كان معَطّلاً، فاستنَد إلى قانون الدفاع.

لذلك تقول المصادر إنّ اللقاء الذي جمعَ العماد ميشال عون بمستشار الرئيس سعد الحريري المكلّف بالعلاقة بين التيّارين الأزرق والبرتقالي غطّاس خوري لم يَحسم أيّاً من الخيارات المطروحة. فمشاورات عون لم تنتهِ، وفي الأفق موعد مع الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله.

وفي المسار الإداري للملف، تقول مراجع معنية إنّ قرار التمديد للّواء بصبوص أوّلاً سيُطرح على مجلس الوزراء وإلى جانبه سلّة من الأسماء المرشّحة للتعيين، وسيكون المجلس أمام خيارَي التصويت أو التوافق. وإذا تعَذّرَ الأمر على اختيار البديل سيكون أمام خيارَي التمديد أو عدم صدور أيّ قرار، وبالتالي تقود الآليّة إلى تسَلّم الضابط الأقدم رتبةً وتاريخ خدمةٍ المهمّةَ بالإنابة.

وإذا قيل إنّه شيعي، تقَلّل المصادر المعنية من أهمّية الأمر. ففي التراتبية الموجودة اليوم ضابط شيعي، وبعدَه بقليل سيكون مسيحيّاً، ليؤولَ الأمر لاحقاً إلى سنّي. وما الهَمّ مِن ذلك – تقول المصادر – إنّ الطائفة السنّية تُمسِك اليوم بوزارة الداخلية وفرع المعلومات. ومَن ستوكَل إليه المهمّة لا ترقى إلى مناقبيته الشكوك يوماً ولا إلى مؤهّلاته، فمنطق سنّي – شيعي لا يتحَكّم بالأمور هذه المرّة كما في السابق.

ويبقى عند استعراض هذه الأمور أنّ أحداً مِن قادة المبادرات المطروحة لم يتناوَل لا مِن قريب ولا مِن بعيد انتخابَ رئيس جديد للجمهورية، وكأنّ الأمرَ مستحيل، لتنتفيَ هذه الإشكاليات نهائياً. لذلك، تتوقّف المراجع المعنية عند ما يقود حتماً إلى أنّ إطالة مدّة الشغور الرئاسي تُنبِت أعرافاً لا تمتُّ بصِلةٍ إلى نصّ الدستور وروحه وغايتِه، ما يستدعي القلقَ بجدّ على المستقبل. فعندما تتراكم الأعراف خارجَ الأطُر الدستورية لن يكون سهلاً في مقبل الأيام العودة إلى الإطار الدستوري في بلدٍ اعتادَت فيه قياداته أن تغرفَ ما يمكن أن تطاوله اليد قبل العودة إلى القانون. وهو ما يُهدّد ما تبَقّى من صلاحيات لرئيس الجمهورية. فهل هناك مَن يعتبر ممّا تَجنيه مواقفُه وتصرّفاته قبل الوصول إلى مرحلةٍ لا ينفع فيها الندم؟.