Site icon IMLebanon

تراكم الخيبات

النفايات وتراكمها والعجز عن معالجتها، وامكان المعالجة وضرورتها كانا واضحين وملحّين قبل 18 شهراً، ليست وحدها الدليل الساطع والمحزن على تردي شؤون الحكم وتراكم الخيبات لدى المواطنين من كل المذاهب ومختلف المناطق في لبنان.

نعيش من دون شك مرحلة التأقلم مع الخيبات وتراجع حظوظ النجاح في استلاب بوارق أمل في مستقبل أفضل.

لبنان في تراجع مخيف على صعيد مجريات الحكم وممارسات الديموقراطية والحفاظ على البيئة والاسراع في فض الخلافات لان اعداد القضاة غير كافية ووسائل العمل متردية، وحتى الزوايا التي تبدو كأنها صحية تشكو من تراجع معدلات نموها، ولنبدأ من هنا.

سمعنا تكراراً ان لبنان لا يزال يحقق نموًا بمعدل 1 – 1,5 في المئة سنويًا، وان هذا المعدل أفضل مما هو في سوريا والعراق حيث النزاعات المسلحة والسطو على الموارد العامة وهدر الحياة على قدم وساق.

النمو بالمعدل المشار اليه غير كاف لدفع معدلات العمالة الى النمو، وهذا النمو يعود الى اعداد المهجرين قسرًا الى لبنان. نعم، النمو البسيط يعود الى حاجات استهلاك المهجرين والمعونات الزهيدة التي تتوافر لهم من الهبات، سواء من الاتحاد الاوروبي أو من دول وهيئات انسانية، ولا يعود الى زيادة الاستثمار، وهذا العنصر الاساسي في دفع اي اقتصاد الى التحسن.

لقد كانت تحويلات اللبنانيين العاملين في غرب افريقيا ودول الخليج هي العنصر الاساسي في تأمين نسبة ملحوظة من الانفاق على الاستهلاك للعائلات اللبنانية المستفيدة من التحويلات كما جزء ملحوظ من الاستثمارات. والتحويلات كانت تساهم في تغطية جزء كبير من عجز ميزان المدفوعات وتالياً في استمرار قدرة المصارف على تمويل العجز المالي للدولة.

بلغت تحويلات اللبنانيين عام 2014 نحو 9 مليارات دولار، وتدنت عام 2015 الى مستوى 7,2 مليارات دولار، ولولا انخفاض أسعار النفط، وتالياً عجز كهرباء لبنان، لكان وضع المالية العامة اسوأ مما هو. واستناداً الى التقديرات الاولية، لن تزيد التحويلات على 5 مليارات دولار في 2016.

ويزيد توقعات انخفاض التحويلات تطوران مهمان. ففي غرب أفريقيا، وفي نيجيريا بالذات حيث للبنانيين مصالح ملحوظة، كما في الغابون، باتت التحويلات بواسطة المصارف غير مسموح بها، ومن اجل اعطاء صورة عن الصعوبات الاقتصادية لنيجيريا نشير الى ان سعر النيرا، العملة المحلية، انخفض ازاء الدولار، خلال سنة من 150 نيرا للدولار الى 380 نيرا حاليًا والانخفاض مستمر.

السبب الثاني لتوقع انخفاض التحويلات يتمثل في تسريحات واسعة لاعداد كبيرة من المهنيين والتجار سواء في نيجيريا والغابون أو بلدان الخليج وخصوصاً قطر والسعودية، والتسريحات لا ترتبط في المقام الاول بالشؤون المذهبية، بل بتأخير الحكومات المعنية تنفيذ مشاريع حيوية في مجالات البنية التحتية، والشركات اللبنانية للمقاولات لها دور أساسي في هذه النشاطات، وقد بدأت بتسريح اعداد من موظفيها وعمالها بسبب تأخير دفع المستحقات وانجاز عقود جديدة.

يضاف الى كل ذلك ان الصادرات الى سوريا والعراق والسعودية ودول الخليج الاخرى انحسرت الى حد بعيد، بسبب الاحداث المأسوية في سوريا والعراق، وصعوبة شحن المنتجات الى اسواق السعودية والامارات والكويت والبحرين وقطر. ولا نتحدث عن السياحة التي باتت محصورة بالزوار المحتاجين الى عنانيات صحية.

ماذا يبقى؟ القطاع المصرفي الذي نتغنى بصلابته وازدهاره، والواقع ان هذا القطاع منتظم في خدماته وحقق معدلات اكتفاء ترسملي تفوق ما حققته المصارف الأوروبية الكبرى. فهذا المعدل هو في لبنان على مستوى 15 في المئة من الالتزامات وقد كان المعدل المطلوب من بنك التسويات الدولية BIS لكن عجز المصارف الاوروبية عن تحقيقه دفع بنك التسويات الدولية الى تأخير موعد تحققه لديها الى 2019.

وضع المصارف الاوروبية، سواء من حيث القدرة في تأمين القروض أو توفير الفوائد، هو السبب الرئيسي للتصور أن وضع المصارف اللبنانية في ازدهار، ولكن اذا نظرنا بتعمق الى هذا الامر، نواجه محظورين نأمل في ألا يتآكلا قدرات المصارف اللبنانية التي قد تضطر الى تقليص اعداد موظفيها.

المحظور الاول يتمثل في انخفاض معدلات نمو الودائع. فرئيس جمعية مصارف لبنان الدكتور جوزف طربية صرح بان الزيادة السنوية في الودائع كانت على مستوى 5,1 في المئة ولو اردنا التدقيق في مكونات الارتفاع نجد ان 2 في المئة من الارتفاع تعود الى فوائد استحقت لميسورين ارادوا اضافتها الى ودائعهم، كما هنالك زيادة بنسبة 2 في المئة لرجال الاعمال السوريين الذين اختاروا متابعة اعمالهم ونشاطاتهم التجارية من لبنان وكذلك كفاية حاجات عائلاتهم الى المسكن والمدرسة والاستهلاك، وتبقى هنالك نسبة 1,1 في المئة تعود الى ودائع جديدة من اللبنانيين وهذه لا يمكن اعتبارها زيادة صحية.

المحظور الثاني قد يظهر في سحوبات وتحويلات ملحوظة من لبنان. وهذا الامر لم يبرز حتى تاريخه، انما هنالك توجه من عدد كبير من مواطني الخليج الى التخلي عن استثماراتهم العقارية في لبنان، وليس من المبالغة القول إن الحافظة العقارية المطروحة للبيع توازي مليار دولار، وهي حافظة لن تسيَّل في القريب العاجل لان الحذر مخيم على توقعات اللبنانيين القادرين على شراء هذه العقارات.

هنالك بالتأكيد سبب رئيسي لتوقع استمرار القطاع المصرفي اللبناني دون تعثر، انما دون مبالغة في التوقعات،. فالمصارف اللبنانية الـ12 الكبرى تحتوي على 90 في المئة من مجمل الودائع البالغة 152 مليار دولار، لكن نسبة 40-45 في المئة من هذه الودائع متركزة في بلدان تعاني مصاعب مالية واقتصادية ومنها سوريا وتركيا ومصر والاردن، والتفريع في البلدان الاوروبية يواجه التضييق الذي تواجهه المصارف الاوروبية. ومع ذلك تبقى فرص النشاط المصرفي اللبناني في الخارج أساسية لاستمرار نجاح القطاع المصرفي وان بمعدلات نمو معقولة.

التدفقات المستقبلية لن تكون واعدة ما لم تتوقف المواجهات القتالية في سوريا والعراق، وما لم تتحسن العلاقات مع السعودية. ومن المؤكد ان ثمة حاجة دولية ملحة الى توقف القتال في سوريا والعراق، من أجل وقف حمامات الدم ومخاوف العصبيات. والعالم يحتاج الى اعادة بناء البلدين وتكاليف هذه العملية قد تفوق الـ300 مليار دولار. أضف ان السوق الايراني لـ80 مليون ايراني لا يواجهون العقوبات ويستطيعون استعمال الاحتياط المتوافر لديهم، كما السير في تنشيط صناعة الغاز في المقام الاول. وتوقف الحرب في سوريا والعراق، وتنشيط الاقتصاد الايراني يساهمان في استعادة لبنان دوراً ملحوظاً في مجال السياحة، التي صارت حاليًا شبه محصورة بالزوار العراقيين ممن يحتاجون الى العنايات الصحية.