IMLebanon

إنجازات على قدر القانون الهجين!

 

تشتدّ حماوة المعركة الانتخابية في الأسبوعين الأخيرين قبل الاستحقاق، مع تصاعد وتيرة الهجمات الكلامية والإشكالات الأمنية الناتجة عن سياسة التحريض واعتماد شد العصب الطائفي من قبل بعض اللوائح، إضافة إلى دخول المال السياسي إلى المنافسة الانتخابية من أوسع أبوابها. وقد سجّل الخطاب الذي توجّه به الرئيس عون إلى الناخبين عشية انطلاق عملية  التصويت في بلاد الاغتراب عدّة نقاط جوهرية، مجرّد طرحِها من قِبَله، على الرغم من خوض تياره عامة وصُهريه خاصة هذه الانتخابات، يعني أن كيل التجاوزات قد فاض واختلط حابل السلطة بنابل الترويج!

لقد انطلقت هذه الانتخابات بعد تعطيل دام ما يقارب التسع سنوات، وعبر قانون جديد أُقر بعد انقضاء ما يناهز الخمسين عاماً من التخبّط والعجز عن التوافق على صيغة عصرية تكون قادرة على فتح الطريق أمام الدولة المدنية العادلة بعيداً عن الطائفية السقيمة والمصالح الخاصة التي تدير دفة القرارات في بلاد الأرز… فجاء هذا القانون هجيناً مكرّساً التقسيم الطائفي، وزُج بالمرشحين في سباق لاهث خلف الأصوات ولو كان الثمن تحالفات مع «الشيطان»، وجاءت هذه الانتخابات في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الأصعب، إلا أن البرامج الانتخابية، خاصة من قبل لوائح السلطة، كانت مخيّبة للآمال ولحاجات الناس التي باتت أكثر من ملحة… فالذين كانوا في مراكز القيادة من تشريع وتنفيذ لمدة سنوات، والذين يُفترض أنهم ملمّون بخبايا الأمور ومخارجها، لم يستطيعوا أن يقدّموا خطة واضحة لوضع نهاية لسلسلة الأزمات المتتالية من كهرباء ونفايات وبطالة متفاقمة ونسبة فقر متزايدة بسبب عجز الأجور عن مواكبة تضخم غلاء المعيشة المتزايد… من دون إغفال خضوع شتى القوانين التي تنتظر في أدراج المجلس النيابي توافقاً معيناً لإقرارها من دون أن تظهر له بوادر في المستقبل القريب… إلا أن البديل للبرامج البناءة اليوم هو الخطاب الطائفي لشد عَصَب الشارع، وتخوين الآخر وتصوير هذه الانتخابات على أنها معركة وجودية وقضية مقدّسة توجب غض الطرف عن كل ما سلف من إهمال وتقاعس وفشل في تأمين أدنى متطلبات العيش الكريم، فخصوم الانتخابات هم شركاء في السياسة، وخصوم السياسة هم حلفاء مستجدون  في الانتخابات، والسلطة هي في موقع المنافس، فلا الديمقراطية مُصانة ولا الشفافية مضمونة وقد سقط الكثيرون في فخ قانون، وقعوا على صك تحجيم أنفسهم لحظة وافقوا عليه، اللهم إلا بعض الذين فصّلوه على قياسهم بما يضمن فوزهم بلا منازع… فباتت الغاية تبرّر شتى الوسائل والخطابات والممارسات الدخيلة على مفاهيم الحرية والديمقراطية في لبنان!

إنها انتخابات ساعة ولكنها كشفت إفلاس الطبقة السياسية وعجزها لسنوات مضت عن تسويق نفسها بالإنجازات، فلجأت للسبيل الأسهل وهو تعمية القلوب بأحاديث الكراهية والتجييش الطائفي والتخوين … فهل ينجح الناخب في تجاوز هذا الامتحان ويُثبت أن معاناته أثمن من أن تُغطى بزيارة طارئة من هنا أو وعود واهية من هناك… وأن صوته أغلى من حفنة دولارات، لأنه وكما قال الرئيس عون «مَن يشتريك اليوم سيبيعك غداً ويبيع الوطن في ما بعد».