بعد تنحّي فرنسا عن مبادرتها، واصطدامها بموقف المعارضة و”التيار الوطني الحر”، دخلت قطر على خط التسويات بتكتّم شديد من خلال جولات مكوكية، لاستطلاع الأجواء في ما يعني “الخيار الثالث” الذي تحدّث عنه الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، بعدما اصطدمت مبادرته بجدار سميك أدّى إلى توقفها. وفي هذا السياق، سألت “الديار” عضو كتلة “التنمية والتحرير” المحامي أشرف بيضون عما ينتظره لبنان من الحراك القطري، فاعتبر أنه “علينا انتظار الأيام المقبلة، والجيد بالمبادرة القطرية أنها تحصل بهدوء وعلى نار خفيفة وبعيداً عن الأضواء، وبصرف النظر عن داعم هذه المبادرة، فأي مبادرة لم تلقَ تجاوباً من الأفرقاء اللبنانيين، محكومة طبعاً بعدم النضوج والتجيير، ونأمل أن تكون هذه المبادرة تكملة لفكرة الرئيس بري الحوارية، وبالتالي ستكون منتجة لخلاص لبنان وملء هذا الشغور الذي بدأ منذ عام ونيف”.
وفي هذا السياق، قال “إذا عدنا إلى التاريخ، كل الاستحقاقات الدستورية في ما خصّ رئاسة الجمهورية، منذ قيام دولة لبنان الكبير وحتى يومنا الراهن، تثبت التجارب أن اللعبة البرلمانية في لبنان غير كافية بمفردها لإيصال رئيس جمهورية، ما لم يتخلّل ويدعم هذه اللعبة البرلمانية تسوية بمعنى حوار أو توافق تبدأ إرهاصاته قبل الذهاب إلى مجلس النواب، وبالتالي هذا من التركيبة اللبنانية ومن الوجدان اللبناني أن هذا البلد الفسيفسائي بكل تنوّعاته وحجمه وعطاياه، مُجبر على الحوار والتوافق والتفاهم، وحبّذا لو أننا نذهب إلى هذا النوع من التفاهم، وأن يكون الحوار مُلَبنَن وصُنع في لبنان، هذا ما يحاول بري القيام به لهذا الاستحقاق، لأننا إذا أردنا التكلّم بموضوعية وبشفافية وبلغة الأرقام، فقد أثبتت كل الجلسات التي عقدها المجلس النيابي لانتخاب رئيس جمهورية، أن تركيبة المجلس النيابي الحاضرة غير قادرة على إيصال رئيس جمهورية من أي من الفريقين المتنافسين، وبالتالي فإن جلسة 14 حزيران أظهرت أن النتيجة 51 مقابل 59 صوتاً لكل فريق، فلعبة الأرقام أثبتت أننا بحاجة الى بعضنا بعضا لنتّفق على إيصال رئيس الجمهورية”.
وعن مبادرة بري الحوارية، رأى أن “الحوار الذي طرحه بري يختلف إذا صح التعبير عن الحوار الذي أطلقه في المبادرتين الأولى والثانية، بحيث أخذ في الاعتبار كل الهواجس التي طرحتها الكتل البرلمانية والسياسية خلال الحوارين السابقين، وأيضاً كل التطورات والمعطيات، بحيث استطاع من خلال هذه المبادرة المحدّدة بالزمان، ومعروفة المكان وواضحة بخواتيمها أنه بدّد هواجس كل الأفرقاء، وأعلن أنه ذاهب إلى حوار، ففي حال توافقنا نكون نجحنا في مسعانا، وإذا لم نتوافق نذهب بأكثر من مرشح إلى مجلس النواب وليفز من يفوز من خلال جلسات متتالية ومفتوحة”، اضاف: “تكلم بري بلغة عوّلنا عليها الكثير، عندما قال سنستمر في العملية الانتخابية حتى يخرج الدخان الأبيض كما يحصل في انتخاب قداسة البابا في الفاتيكان، هذا الكلام له مدلول ديني تاريخي كبير في الوجدان المسيحي، لناحية انتخاب الحبر الأعظم، فهذه العبارة التي تعمّد ذكرها وتلفّظها بري، كانت موجّهة مباشرة إلى القوى المسيحية المعنية في هذا الاستحقاق، فأراد بري أن يقول ان الحوار له سقف زمني وليس عبثياً ومفتوحاً، إنما حُصِر بسبعة أيام ولا يهدف إلى تعطيل العملية البرلمانية، إنما أعطى التركيبة اللبنانية والظرف العام في لبنان فرصة لإنجاح الطبخة الرئاسية”.
وعن تخوّف المعارضة من تكريس عرف بأن يسبق الحوار كل عملية إنتخابية، لفت إلى أنه في “الظرف الاستثنائي الذي يمر به الوطن والمواطن، والتحديات الكبيرة الداهمة في لبنان، علينا أن نجتمع كلنا على كلمة سواء، لهذا فُرض علينا الحوار، ولنفترض أن فريقاً تمكّن من إيصال مرشحه بمعزل عن نصف اللبنانيين أو الفريق الآخر، فهل سيتمكن الرئيس الجديد أن يحكم وأن يحل أزمات هذا الوطن المستفحلة؟ أما بالنسبة لتكريس العُرف، أصلاً التوافق والحوار مكرّس منذ العام 1920 وحتى اليوم، فهل أتى أي رئيس جمهورية منذ ذاك الوقت من دون حوار وتسوية منذ الاستقلال وحتى اليوم؟ نحن نؤمن بهذا الوطن من خلال الشركة بين الطوائف والأحزاب، وشركة هذا التنوّع السياسي الديني الاجتماعي وهذا غنى للبنان”.
وحول استسلام الداخل لحلول الخارج، ذكّر أن المثل يقول “الكنيسة القريبة ما بتشفي، وقد استخدمه بري عندما حاول البعض إجهاض مبادرته، فلماذا لا نتحاور ونصلي بالكنيسة القريبة ونتفق؟ وهل علينا انتظار الكنيسة البعيدة لتقول لنا تفضلوا لعندي؟ مع العلم أن فرص نجاح حوار لبناني ـ لبناني مع مساندة ومساعدة إيجابية من الدول الصديقة، يعزِّز نتيجة هذا الحوار وإيجابيته، وهذا لا يتناقض مع السيادة”.
وعن إمكان انتخاب رئيس في وقت قريب، شدّد بيضون على أنه “ما دام ستتغلّب الحسابات الشخصية الضيقة على حسابات المصلحة العامة للوطن والمواطن، لن يكون هناك بصيص أمل في المدى المنظور”.