أظهرت المؤشرات الأولى للتجاوب مع دعوة الرئيس نبيه بري للحوار المقرر اليوم، تناقضا وتضاربا في أسباب وأهداف مشاركة العديد من القوى المدعوة، خاصة المسيحية منها، والتي تعتبر أن أول الاهداف للحوار يجب أن يكون التوافق على انتخاب رئيس الجمهورية، وهو المطلب الذي يبدو تنفيذه مستحيلا في القريب العاجل والمدى المتوسط، نتيجة تضارب وتناقض أهداف القوى الاقليمية والدولية الممسكة بالوضع اللبناني، ولعل ما نقل امس من «توضيح» على لسان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند من ان انتخاب الرئيس هو بيد اللبنانيين، خير دليل على عدم وضع هذا البند المدرج في جدول أعمال الحوار كأولوية ولا لدى الدول الراعية.
ويأتي «توضيح» هولاند معطوفا على عناوين اخرى يسعى اليها المتحاورون كل من منظاره، بين أولوية انتخاب الرئيس، والاتفاق على قانون انتخابي عادل ومنطقي تجرى على أساسه الانتخابات النيابية، الى تفعيل عمل مجلس النواب ومجلس الوزراء، الى بند استعادة الجنسية، ومعالجة مشكلة النفايات… ما يظهر حجم الهوة التي قد تعيق وصول الحوار الى النتائج المرجوة من تحقيق الاستقرار الكامل الذي ينشده الغرب قبل لبنان وقبل العرب.
ومع كل النيات الطيبة التي تقف وراء الدعوة للحوار والتشجيع عليه، إلا ان الرئيسين نبيه بري وتمام سلام في وادٍ والقوى السياسية في وادٍ آخر، خاصة ان حزب «الكتائب» منضم تلقائيا الى «حلف أولوية انتخاب الرئيس»، ما يعني انه و «تيار المستقبل» وبعض المستقلين المسيحيين المدعوين للحوار، ومع مقاطعة «القوات اللبنانية» للحوار، لن يسمحوا بوصول الحوار الى النتائج المرجوة الكاملة.
لكن بعض المصادر الوزراية المعنية بالحوار ترى ان أقصى ما يمكن الطموح للوصول اليه في هذا الحوار هو محاولة بري وسلام إقناع المتحاورين والغائبين بتفعيل عمل مجلس النواب بعقد جلسة تشريعية لتشريع «قوانين الضرورة»، وتفعيل عمل مجلس الوزراء لإقرار «مراسيم الضرورة» ومعالجة بعض المشكلات الطارئة كمشكلة النفايات، بعد إنجاز الوزير أكرم شهيب التقرير الفني ـ التقني للمعالجة، اذا وافقت عليه كل القوى السياسية.
وتستند المصار المتابعة الى «تفاؤلها» هذا بالقول ان الامور في لبنان ستبقى تراوح مكانها، حتى يتم داخليا الاقتناع بالسعي الى معالجة بعض المشكلات القائمة والعالقة، ويتم الإفراج الاقليمي والدولي عن قرار وضع لبنان على سكة الحل مع غيره من دول المنطقة المضطربة، وهذان الأمران غير متاحين حتى الآن.
وقد استبق الرئيس بري جلسة الحوار بالتلميح الى احتمال عدم التوافق على بند انتخاب الرئيس بالإشارة الى انتقال البحث الى بنود اخرى، فيما كانت مصادر كتلته النيابية تصرح علناً بوجوب الانتقال الى بند تفعيل مجلسي النواب والوزراء، باعتبارهما من البنود المهمة لتسيير عمل الدولة وتأمين مصالح المواطنين.
وتشير المصادر الوزارية المتابعة الى النبرات العالية الصادرة عن بعض أطراف الحوار بحق أطراف اخرى، وتحديد أولويات عمل خارج بنود جدول أعمال الرئيس بري للحوار. وتوضح ان بعض نواب تيار «المستقبل» وأركانه لا زالوا يطرحون سرا وعلنا موضوع السلاح كمدخل للحل، ويعتبرون «ان أي بحث بقانون انتخابي أو حتى انتخاب رئيس للجمهورية لا يمكن ان يتم تحت ظل السلاح»، وهم بالتالي يرهنون حل المشكلات الإجرائية بحجة السلاح، وقد يشهرون بند السلاح أمام المتحاورين لأكثر من هدف، ما يعني صعوبة التوصل الى أي مخرج، وبالتالي تفجير الحوار، برغم علم هؤلاء أن موضوع السلاح خارج البحث حاليا، خاصة بعد تصاعد الاعتداءات الاسرائيلية على المقاومة داخل سوريا وعلى تخومها القريبة من لبنان.