IMLebanon

مرّة جديدة: الحَراك وتحدّي القيادة الفعليّة

 

كما في كلّ يوم، تُظهر مناقشات أهل السلطة أن هؤلاء لا يعملون خارج مشروع إعادة إنتاج صيغة الحكم نفسها. لكن إغماض العيون، لا يُخفي التعب الكبير الذي يُصيب الدولة عموماً. والضغط غير العادي مالياً، اليوم، سيفتح الباب أمام تعقيدات لن تعالجها لا حكومة تكنوقراط ولا من يحزنون. التسوية الممكنة تتطلّب عقداً اجتماعياً جديداً، فيه الكثير من العناصر الجديدة، ونمطاً من التفكير مختلفاً جذرياً عما هو قائم اليوم. وكلّ تأخير يجعل العلاجات المقترحة ومشاريع القوانين مجرّد مسكِّنات.

 

الأساس في العلاج، اليوم، يتطلّب خطوات شجاعة غير مسبوقة من أركان السلطة أولاً، ومعهم أصحاب الأموال، سواء أولئك الذين سرقوا أو احتالوا على القوانين، أم من استغلّوا نظام المحسوبية وحصلوا على عائدات مبالغ فيها، أم الذين كدّسوا أرباحاً خيالية جرّاء سياسة الدين والفوائد ولم يشاركوا في أي عمل استثماري حقيقي. كل هؤلاء، إذا لم يفكروا بالتخلي عن جزء مقبول مما يملكون، فلن يبقى لهم مكان للسكن والتعليم والأكل والطبابة. وحتى هروبهم من لبنان لن ينفع في إعادة الشرعية إلى وضعهم المحلي. أما بقية الناس، فإنْ لم يلتفتوا إلى مخاطر ما يحصل، ستهزم الفوضى الاستقرار غير المكتمل. وعندها لن يبقى لبنان على صورته الحالية برغم كل رداءتها!

المبادرة الأساسية في يد السلطة وقواها. لكن ما تراكم، في الأسابيع الثلاثة الماضية، يُتيح للحراك الشعبي أن يكون قوة حقيقية، وأن يتحوّل إلى لاعب متماسك وواضح العناوين والأهداف. ولأنه كذلك، تشتدّ الضغوط عليه، خصوصاً من قبل الشركاء الأساسيين في محرقة البلاد. وإذا لم نجد بين الناس صوتاً حقيقياً يعرف التمييز بين الغَثّ والسمين، سيفقد الحراك قوته الحقيقية، وسيظل أسير لعبة المتسلّقين واللصوص، وما أكثرهم.

أما شرود البعض عن الأدوار الخارجية ذات الأهداف غير الوطنية، والإصرار على الإنكار إزاء الأدوار المشبوهة لبعض وجوه النظام، فلن يُفيد في صيانة الحراك وتحصينه. بل سيساعد هؤلاء اللصوص على المُضي في خطتهم، ليظل قسم كبير من الناس يقفون بعيداً مع خوفهم وقلقهم وشكوكهم.

ولأن الأمر على هذا النحو، لا بدّ من التذكير – مرة جديدة وكل يوم – بأن بعض أعمال السطو يجب ألا تمر، بمعزل عن الآلة الشيطانية العاملة على سرقة الأحلام والشعارات. وفي حالتنا، اليوم، يجب الانتباه إلى أن مفاوضات جانبية تجري بين مسؤولين كبار في الدولة، وبين شخصيات سياسية ونيابية و«مدنية»، في شأن تسوية معيّنة. ومن يفاوضون لا نعرف مدى حضورهم وتأثيرهم في الشارع. لكنهم يحشدون الدعم من إعلام منافق ومن سفارات تطالب بتغيير في سياق مختلف عما يريده الناس.

في الحالة اللبنانية، لا يكون كارل ماركس هو منظّر الثورات، ولا لينين من يقودها. في لبنان، مثلاً، يقول فرمان «ملك الحكمة» إن جمانة حداد وليس شربل نحاس من ينظّر للثورة. وإن بولا يعقوبيان وليس حنا غريب من يقودها. وإن ديما صادق وليس زياد عبس من يجيد التنسيق للخطوات والتحركات. أما في حالات الطوارئ، وعندما تحتاج الثورة إلى جيل جديد «من الأولاد المتحمّسين» للثورة على السارقين، فها هو نعمة افرام يُخبرنا أمس أنّه تأخّر في الانشقاق عن كتلة التيار الوطني الحر، وأن أولاده مستعدون لحمل لواء لبنان الجديد، وهم أصلاً صاروا يفضّلون الساحات على مقاعد الدراسة.

 

الإصرار على الإنكار إزاء الأدوار المشبوهة لبعض وجوه النظام لن يُفيد في صيانة الحراك وتحصينه

 

 

ومن يحتاج إلى فهم واضح، ما عليه إلا الاطّلاع يومياً على جهابذة، مثل الكتّاب في جريدة «الشرق الأوسط» (أو ما يعادلها قطرياً وإماراتياً ومصرياً)، ممن ينهلون بنَهم غير مسبوق من مؤلفات محمد بن سلمان. وإلى جانب هؤلاء، لا يجوز أن تُعمي الحشود النظر عمن يجلس في المقاعد الخلفية منتظراً الاستثمار، خصوصاً إزاء ما يجري في الكواليس من لعبة قذرة تتصل بتفاهم مسبق على أسماء من يجب اعتبارهم ممثلي الحراك الشعبي في أي حلّ إنقاذي. جاد شعبان لا يشكو من شيء، منى فياض إذا أردتم. أو اختاروا من لائحة «بيروت مدينتي» من يناسبكم. وفضلو خوري (أعدّ مع آخرين، لائحة من 57 اسماً) جاهز لفحص قدرة الجميع على التحدّث بإنكليزية تطمئن المجتمع الدولي. وسيكون إلى جانبه ممثل الجامعة اليسوعية، حتى ولو جلس كما تجلس فرنسا إلى جانب أميركا، أي مجرّد تابع لا أكثر ولا أقلّ.

لكن الكوميديا لا تنتهي هنا. أمس، لنحو ساعة على الأقل، قررت «قنوات الثورة» وقف تغطية النشاطات على الأرض، ونقلت الكاميرا على وجه السرعة إلى حيث الحدث الأهم منذ عشرين يوماً: مؤتمر صحافي لنائبة بيروت بولا يعقوبيان تشرح فيه خطوات المعارضة للمرحلة المقبلة. «الرفيقة بولا»، رغم انشغالها الكبير أخيراً في تنشيط أعمالها في مجال تدريب السياسيين والعاملين في الشأن العام، وتسويق مكتبها الجديد في دولة الإمارات، إلا أنها تلتفت بين حين وآخر إلى هموم الجماهير في بيروت. طبعاً هي لم تنزل إلى الشارع لأنها لا تريد الاستحواذ على الكاميرا، ففضّلت ترك «الشباب لإدارة الأرض». لكنها اهتمت بصيانة الاتفاقات التي أنجزتها بين قادة «مسيرة التقدم الديموقراطي» في أبو ظبي، وبين أركان «قنوات الثورة» في لبنان. وكانت «الرفيقة بولا» تستعين، بين حين وآخر، بنفوذ رائد «الثورة التنويرية في الحركة الوهّابية» عقاب صقر لإقامة أفضل العلاقات بين إمارات الخير وقادة الحريات في لبنان. طبعاً، عقاب يعرف الكثير عن إعلاميي لبنان، ويعرف حجم الدور الذي يتشوّقون للعبه في خدمة الثورة. وهو جاهز لمنحهم دروساً خاصة نتيجة خبرته الطويلة التي اكتسبها خلال مشاركته في الدورات الحيّة في الثورة السورية المجيدة.

وماذا بعد؟ ألم يحن الوقت لبعض المراهقين لقول ما يجب قوله، أم تنتظرون انضمام تيمور جنبلاط إلى الساحات برفقة عارضة الأزياء الأولى ستريدا جعجع وأبناء العائلات الأبدية في حكم لبنان؟

 

من ملف : اعلان حالة الطوارئ مالياً