IMLebanon

زدني غموضاً.. سورياً!

بغض النظر عن الظروف الملتبسة لمقتل سمير القنطار القيادي في «حزب الله» والاسير السابق في اسرائيل، يوفّر الحادث مثلا آخر على الغموض الذي يحيط بالوضع السوري وكلّ ما يمتّ اليه بصلة من قريب او بعيد. 

ماذا كان يفعل القنطار في بلدة جرمانا القريبة من دمشق في هذه الظروف بالذات؟ هل مجرّد وجود دروز سوريين يقيمون في جرمانا يُعتبر سببا كافيا ليكون القنطار في البلدة؟ 

على الرغم من اتهام «حزب الله» لإسرائيل، سيبقى الغموض يكتنف قضية اغتيال القنطار، مثلما لا يزال يكتنف اغتيال عماد مغنيّة في شباط 2008 في كفرسوسة، داخل دمشق، حيث اجراءات امنية شديدة في كل شارع وزاوية…

سيظل الغموض يلفّ ظروف اغتيال العقيد العلَوي محمد سليمان في طرطوس، مباشرة بعد اغتيال مغنيّة في كفرسوسة، خصوصا ان سليمان كان من بين اهمّ الضباط السوريين الذين ارتبط اسمهم بالعلاقة بايران وكوريا الشمالية وبملفات اخرى كثيرة على علاقة مباشرة بالأسلحة التي يحصل عليها جيش النظام… وبالبرنامج النووي السوري.

كذلك، سيظل الغموض يحيط بخطف هنيبعل القذافي الى لبنان. لبنانيون مرتبطون بالنظام السوري خطفوه من داخل دمشق. كان هنيبعل في حماية احدى العصابات العائلية التي وفّرت له حماية في الأراضي السورية حيث صار يتمتّع بوضع اللاجئ السياسي. اضطرّ الخاطفون لتسليمه الى السلطات اللبنانية بعد الضغوط التي مارستها عليهم العصابة السورية. ما العمل الآن بالمخطوف وما العمل بالخاطفين؟

كلّما مرّ الوقت، يزداد الوضع السوري تعقيدا وغموضا.

لا احد يستطيع الإجابة بدقّة عن سؤال آخر من نوع لماذا كان التدخل العسكري الروسي في سوريا؟ هل يكفي للحصول على جواب طمأنة فلاديمير بوتين لمواطنيه في مؤتمر صحافي عقده اخيرا الى ان الحملة السورية لن تكلّف الخزينة شيئا؟

قال بوتين: «ان الحملة العسكرية الروسية في سوريا لا تؤدي الى اي ضغوط جدّية على الموازنة» موضحا انّ «المبالغ المخصصة للتدريبات العسكرية والمناورات» اعيد «توجيهها» ووضعها في خدمة الحملة السورية. اضاف انّه كان علينا «ان نفعل شيئا». لم يوضح ما هو هذا الشيء الذي عليه فعله، مكتفيا بالقول، بتهكّم ليس بعده تهكّم من دون اخذ في الإعتبار لقتل سوريين مدنيين، ان الغارات الجويّة الروسية هي افضل بديل من التدريبات العسكرية، ذلك انّ «من الصعب تصوّر تدريب عسكري افضل. نستطيع متابعة التدريبات لفترة طويلة من دون عبء زائد على الموازنة».

شرح الرئيس الروسي كلّ شيء باستثناء السبب الحقيقي للتورط الروسي في سوريا وذلك في وقت كان نظام بشّار الأسد على حافة السقوط العملي. النظام سقط مبدئيا. المسألة مسألة وقت فقط. لماذا تدخّلت روسيا في لحظة معيّنة دفاعا عن نظام ساقط؟

كلّ ما تشهده سوريا غامض. الأمر الوحيد الواضح يتمثّل في الرغبة في اطالة مأساة الشعب السوري. مَن يحتاج الى دليل اضافي، يستطيع العودة الى القرار الأخير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يحمل الرقم 2254. 

لأنّ هذا القرار صدر بالإجماع، كان لا بدّ من ان تكون العبارات الواردة فيه مطاطة الى ابعد حدود وكأنّ المطلوب اطالة المأساة السورية… الى اليوم الذي لا يبقى فيه حجر على حجر في اي مدينة او بلدة او قرية سورية.

ذروة الغموض يعبّر عنه الموقف الأميركي. كان مفيدا قراءة الحديث الذي ادلى به تشاك هيغل وزير الدفاع السابق الى «فورين بوليسي» للتأكد من ان شخصا كان في موقعه لمدة سنتين، لم يستطع تبيان ما يريده باراك اوباما في سوريا.

في الحديث الطويل، وهو الأوّل لهيغل منذ استقالته في العام 2014، لا يخفي الأخير استغرابه لتصرّفات اوباما ولطريقة ادارته شؤون الدولة عن طريق مجموعة صغيرة من المستشارين المحيطين به.

كشف هيغل ان اوباما اتصل به يوم الثلاثين من آب 2013، ليبلغه العودة عن قراره بتوجيه ضربة الى النظام السوري بعد لجوء الأخير الى السلاح الكيميائي يوم الواحد والعشرين من الشهر ذاته.

تجاهل الرئيس الأميركي كلّيا الخط الأحمر الذي رسمه لبشّار الأسد بعدما انتهت وزارة الدفاع الأميركية من كلّ استعدادتها لضرب قوات النظام تمهيدا لإسقاطه.

يترك هيغل للتاريخ قول كلمته في ما اذا كان خيار اوباما صحيحا ام لا، لكنّه يخلص الى القول :»ليس لدي ادنى شكّ في ان ذلك اساء الى صدقية ما يقوله الرئيس». وكشف انّه في الأيام والأشهر التي تلت تراجع اوباما عن ضرب بشّار الأسد كان زعماء العالم يؤكدون له ان ثقتهم باوباما «تعرّضت لهزّة». 

من اغتيال القنطار الى كلام تشاك هيغل، مرورا بمجموعة كبيرة من الأحداث والحوادث السورية، بما في ذلك تغطية بشّار الأسد، في اقلّ تقدير، لإغتيال رفيق الحريري ورفاقه ولكلّ عمليات الإغتيال والتفجيرات الأخرى في لبنان، لا جواب واضحا عن اي سؤال كان، بما في ذلك «انتحار» غازي كنعان وتصفية رستم غزالي او الأسباب الحقيقية التي جعلت تركيا تسقط القاذفة الروسية قبل نحو شهر.

في كلّ يوم يمرّ يزداد الوضع السوري غموضا. تكفي قراءة لنصّ قرار مجلس الأمن الرقم 2254 للخروج بانطباع واحد هو ان القرار زاد الغموض غموضا. لم يعد ما يمكن قوله عن الأسئلة السورية سوى: زدني غموضا وليس زدني علما. كلّما تمعّن المرء بالغموض السوري، زاد الغموض غموضا!