عقب لقاء باريس الاول بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية في تشرين الثاني الماضي شكل الحدث لفترة أسابيع ما زاد عن نسبة ثمانين في المئة من المضامين الإخبارية والتحليلية للصحافة ووسائل الاعلام اللبنانية . ومنذ الاثنين ١٨ كانون الثاني الحالي يجتاح احتفال معراب بالاتفاق العوني – القواتي ما يفوق النسبة الصحافية والإعلامية السابقة في دلالة لا تتصل بحماوة تطور استثنائي من هذا الطراز فحسب بل بنفاد صبر ايضا من فراغ سياسي يفتح باب التلهف على اي طارئ . مع ذلك لا نخترع جديدا ان قلنا ان اللبنانيين ملوا معارك الترشيحات وجرعات التشويق وشد الاعصاب والتعبئة وفرز الصفوف ، بين هذا المرشح او ذاك، وإن لم يكن مللهم معبرا عنه بوضوح حاسم فانه يتعمق في الخوف الذي يتصاعد بعد تلاشي كل جولة من معارك الترشيحات من عودة الفراغ وحده منتصرا . لعله في لبنان فقط بين دول العوالم المتمدنة والمتخلفة وما بينهما صارت عندنا ، مع أزمة الفراغ المتجهة الى تحطيم الرقم القياسي في تاريخ الازمات ، معايير متعددة الصنف للمعارك الرئاسية. فثمة معارك ترشيح ليس بالضرورة ابدا ان توصل رؤساء. وثمة معارك سياسية تتداخل فيها التحالفات والمصالح المتضاربة او المتوافقة مع الظروف الاقليمية والداخلية وليس من الضرورة ايضا ان تنتهي بانتخاب رئيس . وثمة معارك تملأ الانتظارات المفتوحة على لا افق ولا تؤدي حتما الى انتخاب رئيس . حتى الآن لا يختبر اللبنانيون الا معارك تشعل فيهم موجات الانفعالات ، جرعة إثر جرعة وموجة عقب موجة وعاصفة تلو عاصفة ، ليعود الإحباط الكبير سيداً مطلق الصلاحيات على الواقع الداخلي . ولعل المفارقة الصحية التي لا يجوز إنكارها في هذه العراضات هي ان اللبنانيين على رغم التلاعب المتمادي بمشاعرهم وانفعالاتهم وحتى بشعبويتهم، تراهم يقبلون كل مرة وبحماسة منقطعة النظير على الاستجابة لحدث ترشيح من هنا او تحالف من هناك على غرار ما شهدنا ونشهد منذ ٢٥ آذار ٢٠١٤ امتدادا حتى الساعة. ولكن الجانب الدراماتيكي في ذلك هو ان كثيرا من الملهاة يسود لبنان السياسة والشعب سواء بسواء في زمن الانتظار الطويل الذي يكشف قصور معارك الترشيح وتعبئة الناس والاعلام والصحافة وحدها عن بلوغ نهايات الازمة ، فاذا بنا امام اغراق في المناورات والمعارك الداخلية المتنوعة فيما يرتفع العشب غابات على طريق قصر بعبدا الموحش والمهجور. حتما يريد اللبنانيون معارك تفضي الى انتخاب رئيس في النهاية ، اما تكرار التجربة في شحن الانفعالات والعودة الى العقم والفراغ فلا ندري كم سيبقى بعدها من ضمانات من ان رئيسا سيأتي يوما بالأصول المعروفة ام بإحدى المفاجآت الدراماتيكية التي يجري تبليعنا نمطها الراهن جولة بعد أخرى.