IMLebanon

تعقيدات إضافية أسقطت رهان الحل الحكومي مخاوف من عدم تجاوز الأزمة “على البارد”

من غير المرجح ان تلقى الصرخة التي وجهتها الهيئات الاقتصادية والمجتمع المدني للافرقاء السياسيين من أجل انقاذ عمل المؤسسات ومنع البلد من الانتحار عبر التوجه الى ملء الشغور في سدة الرئاسة الاولى أولاً أي صدى ايجابي في ظل تمسك الافرقاء بأولوية مصالحهم وحساباتهم الشخصية على مصالح البلد وابنائه. هذا على الاقل الانطباع الذي استبق النداء الذي وجهته هذه الهيئات والذي اعقبه أيضاً، في ضوء ابداء جهات سياسية عدة ومختلفة الاتجاهات، يأسها من امكان الخروج من المأزق الحالي الذي بات يواجهه البلد بتعطيل الحكومة بعد مجلس النواب ومنع حصول انتخابات رئاسية.

إذ يتبين يوماً بعد يوم ان الرهان الذي عقده بعض المراجع والأفرقاء على عدم امكان ان تطول اجازة الحكومة اكثر من اسبوعين في ضوء تعطيل التيار الوطني الحر امكان انعقاد مجلس الوزراء كان خاطئاً مع اتجاه التعقيدات الى اقفال الباب الاخير للمؤسسة التي تجمع مختلف الافرقاء على طاولتها بعد الاقفال القسري لمجلس النواب أيضاً. وهذا الخطأ كان مبنياً على ان “حزب الله” الحريص علناً ومبدئياً على بقاء الحكومة بحيث لن يفرط بها اولى مطالب حليفه بتعيين العميد شامل روكز قائداً جديداً للجيش على موضوع الحكومة وفاعليتها ما يشي بالأهمية الكبرى الذي لا يزال يعلقها الحزب على حليفه الوحيد الذي يؤمن له التغطية الداخلية ازاء تدخله في سوريا. وهو موقف تردد انه ابلغه ايضا الى قائد الجيش العماد جان قهوجي من باب انه مضطر ان يتضامن مع حليفه أياً كان التقدير لدور الأخير في قيادته الحالية للجيش على اثر اللقاء الأخير الذي عقده العماد ميشال عون مع الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله. وهو تضامن سرى على حلفاء عون علماً ان بعضهم غير مقتنع وقلق من تعطيل البلد والاثمان التي يرتبها على اللبنانيين لكن يستمر هؤلاء في اعلان التضامن مع عون باستثناء الرئيس نبيه بري من قوى 8 آذار.

ثمة أخطاء أخرى تتصل بواقع وعود يقال ان عون تلقاها من الرئيس سعد الحريري بتعيين روكز في قيادة الجيش في مقابل تعيين عماد عثمان او سمير شحاده في قيادة الامن الداخلي، وهو لذلك يتمسك بتعهدات يقول انها اعطيت له ويرفض الدخول في صفقة على اساسها بحيث يؤتى بروكز في مقابل اتمام انتخابات رئاسة الجمهورية تساهم في وصول رئيس مقبول من الجميع بعدما رفض هو شخصيا في وقت سابق من الحوار بينه وبين الرئيس سعد الحريري ان يعلن تقديم أي شيء يتصل او يعبر عن امكان قبوله من الفريق الآخر علماً انه كان مهد الطريق لذلك عبر اجراء حديث صحافي يتفق على كل تفاصيله. اذ انه بعدما وافق على ذلك وتعهد به تراجع بدوره عن اعطاء حديث يعلن فيه انه مع سيادة الدولة اللبنانية على كل اراضيها ومع انتشار الجيش في كل المناطق وفي ظل الموقع العربي للبنان بعيداً من محورية اقليمية معينة.

الا ان خطأ أكثر فداحة يبدو ان خصوم عون ارتكبوه في معرض عدم الرد عليه وفق ما يقتضي اظهاره بمن يعبث بتراتبية المؤسسة العسكرية باعتبار ان العميد روكز ليس وحده المؤهل والكفي لأن يشغل قيادة الجيش وموقعه يأتي في المرتبة 13 بين من يستحقون ذلك ويليه بضعة آخرون أيضاً. إذ ان الرد بما يجب حول تجاوز المؤسسة العسكرية في الوقت الذي هو ابنها يضعه في موقع من يتجاوز القوانين ويخالفها شأنه شأن من يتهمهم بذلك معلناً التمسك بالدستور والقوانين وعدم انتهاكها كما ان الرد بتلك الطريقة كان سيوفر امكان المساومة معه على حل لقاء تعيين روكز كالحصول مثلاً على امكان انعقاد مجلس النواب ومنع تعطيل اعمال الحكومة ان لم يكن على صفقة لانتخاب رئيس جديد. وهو الأمر الذي لم يحصل في الوقت الذي ذهب عون أبعد في الكلام على الفيدرالية بما استفز كثراً من زوايا عدة من بينها التساؤل اذا كان “اعلان النيات” بينه وبين “القوات اللبنانية” مبني على أمر استراتيجي وليس على أمر تكتي في ضوء المواقف السابقة للقوات ابان الحرب من الفيدرالية. كما ان الذهاب الى الفيدرالية بدا مستغرباً في ضوء طلب لا يمكن ان يعد حيوياً كمطلب تعيين قائد للجيش وفي وقت تذهب المنطقة الى التفكك لكن بالتزامن مع حرص اقليمي ودولي على وحدة لبنان واستقراره.

عند النقطة التي وصلت اليها الأمور لا يبدو اي مخرج في الأفق بل مزيد من التأزيم ولا مساعي تبدو ناجحة حتى الآن. ومع صورة الهيئات الاقتصادية التي اطلقت النداء من اجل منع انتحار البلد عادت الى اذهان البعض صورة مماثلة اثر الاعتصام الذي شل البلد في 2007 وأدى الى ما كاد يشبه الانهيار الاقتصادي قبل ان يؤدي التأزم الى تطورات أمنية تحت ذرائع مختلفة ما أدى الى اتفاق الدوحة لاحقاً. ومن هذه الزاوية ثمة من يقلق ويعيد الى الواجهة مخاوف من الا يكون الخروج من المأزق الراهن الا “على الحامي” مجدداً تحت ظرف اقليمي او محلي ما او اثر تطورات في سوريا عبر الشمال هذه المرة وليس عبر البقاع فقط خصوصاً ان رهان عون على التعطيل حتى تلبية مطالبه سيؤدي في السياق العادي للأمور الى التمديد لقائد الجيش الحالي وليس الى حصوله على قيادة الجيش.