صحيح في المبدأ أن الحملات الانتخابية وطقوسها ولغتها ومصطلحاتها تنتهي في اللحظة التي ينزل فيها أول صوت في أول صندوق للاقتراع.. لكن الصحيح الموازي هو أن البرنامج السياسي للطامح السياسي يبقى على ما هو عليه في خطوطه العريضة والرفيعة! على عكس مدوّنة الوعود المتصلة بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والمالية والتنموية وما شابه ذلك وتفرّع عنه.
والخطوط العريضة للبرنامج السياسي للرئيس الأميركي المنتخب في ما يخص المنطقة العربية والإسلامية وقضاياها تحديداً، تقول ما لا يسرّ الخاطر أبداً. بل هي تدلّ على أخبار أكثر سوءاً من تلك التي تراكمت خلال ولاية الرئيس الثرثار باراك أوباما، وتذهب في اتجاه عام محكوم بالعداء (العداء!) للمكوّن الإسلامي الأكثري، ومن حيث المبدأ! قبل أن يكون ذلك وليد قناعة متأتية من معطى الإرهاب وطلاسمه وارتكاباته!
وصحيح أن البعض (الكثير) في نواحينا أطربته بعض النغمات التي خرجت من حملة دونالد ترامب إزاء إيران و»الاتفاق النووي»، لكن الأصح هو أن ذلك الجزء بقي تفصيلاً في سياقات النصوص الأساسية والأصلية المتصلة بفوبيا متأصلة إزاء العنوان الإسلامي العام.. عدا أن التفاصيل حملت (خلال الطوشة الانتخابية الضارية) ما يفيد بأن ترامب لم يكرّر خبرية أنه «سيمزق» الاتفاق مع إيران! بل أنه غيّب تماماً كل ما له صلة بالأداء الإيراني الخارجي (والداخلي) من خطاباته و»أدبياته» وتوجهاته!
كأنه «انتبه» إلى أن أبناء الجالية الإيرانية الكبيرة في الولايات المتحدة كانوا في صفّه، على ما يقول ثقات وعارفون ومطلعون! وهؤلاء كانوا لعبوا دوراً إيجابياً في دفع مستر أوباما إلى اعتماد سياسة احتوائية إزاء بلادهم وليس مواجهتها! برغم أن جلّهم هارب من نظام «الولي الفقيه» لكنه مأخوذ بطموحاته «القومية»… أو هكذا يبدو!
ثم كأنه «انتبه» (الرئيس المنتخب) وبمعونة مستشاريه الكثر طبعاً، وبعضهم من أهل هذه المنطقة! إلى أن التعميم في الشأن الخاص بالمسلمين أمرٌ يتناقض مع تقاطع المصالح مع الروس وكل من يدّعي «محاربة الإرهاب» وأولهم إيران وأتباعها وملحقاتها، طالما أن الأساس القائم لا يربط ذلك الإرهاب إلاّ بالإسلام الأكثري العربي تحديداً!
يوصل هذا الاستنتاج الكئيب إلى خلاصة أكثر كآبة مفادها أن «مستشاري» ترامب بنوا على «أيديولوجيته» الضحلة، ودفعوا به وبها إلى التماهي مع استراتيجية الحلف الأقلوي الناشط، عبر سوريا والعراق واليمن! والذي يوصل حُكماً (لا افتراضاً) إلى جعل إسرائيل جزءاً مكيناً منه، والأكثر استفادة في كل حال، من صعوده إلى التبلور والنضوج أكثر فأكثر!
وذلك ما يفسّر، في كل حال، عمق الاطمئنان الإسرائيلي إزاء الحضور العسكري الروسي الكثيف في المنطقة وبطريقة غير مسبوقة في التاريخ! مثلما يفسّر عمق اطمئنان موسكو إلى مدى ثبات (ونجاح) سياستها التي جمعت بين القتال مع «الممانعة» ضد المعارضة السورية وبين تطوير العلاقات مع إسرائيل إلى ذرى غير مسبوقة في التاريخ أيضاً!
بل وصلت الوقاحة (أو بالأحرى متطلبات التكالب على المنطقة وأهلها) إلى حد أن يقول فلاديمير بوتين أنه «يستلهم» تجربة إسرائيل في قتاله «الإرهابيين السوريين».. ومن دون أن تخرج كلمة اعتراضية واحدة من مدّعي «الممانعة» و»المقاومة» أينما كانوا!
.. فوز ترامب خبر سيئ، بل كارثي. نقطة على السطر!