الانتخابات الرئاسية مُرَحّلة الى العام المقبل – ميشال نصر
على وقع العدوان المستمر من الجو والبحر والبر، مخلفًا مئات الشهداء والجرحى، يعيش اللبنانيون حرب اعصاب من نوع آخر ساحتها الميدان الاعلامي، وسط تضارب للمعلومات وصل حد التناقض، يمتد من تل ابيب الى واشنطن، التي اكدت مصادر اعلامية فيها ان اجواء محادثات الدوحة بين مدير وكالة الاستخبارات الاميركية، وليام بيرنز، ورئيس الموساد، حول التوصل الى وقف اطلاق نار على جبهتي لبنان وغزة، ايجابية وجدية جدا، في مقابل معلومات اخرى تنسف السيناريو المتفائل، معتبرة ان ما يحصل لعب في الوقت الضائع. وبين الاتجاهين يبقى السؤال الاهم: ماذا لو حصلت الهدنة وتوقف اطلاق النار؟ عندئذ قد يكون لزاما على الجميع التفكير بالثمن الباهظ الذي قبضه رئيس الوزراء الاسرائيلي من واشنطن مقابل هكذا خطوة.
هدنة ام وقف نار؟
ففيما الموقف اللبناني ثابت، عند ما «اتفق» عليه رئيس مجلس النواب والوسيط الاميركي، خلال زيارة الاخير الى بيروت، من خارطة طريق لوقف لاطلاق النار وتطبيق للقرار 1701، على ما تؤكد مصادر سياسية رسمية، رغم كل التسريبات وضخ المعلومات المغلوطة، حسم اموس هوكشتاين مسألة وقف اطلاق النار اقله في غضون الاسبوعين المقبلين مع دخول بلاده مدار الانتخابات الرئاسية، مغردا بانه في واشنطن، خلافا لما روجت له اوساط اعلامية لبنانية، رغم ان معطيات اشارت الى قيامه بزيارة سرية سريعة الى تل ابيب حيث عقد سلسلة من اللقاءات ذات «الطابع الانتخابي» قبل ان يعود، معرجا على قبرص، دون ان يتطرق الى الملف اللبناني في تل ابيب.
فـ «اسرائيل» ماضية في تصعيدها، ناسفة كل الخطوط الحمر، فلولا تدخل واشنطن بقوة لما تراجعت عن استهداف مستشفى الساحل، بعد ما زعمه الناطق باسم جيشها افيخاي ادرعي من ان المال والسلاح المشار اليهما في خريطة وزعت على الاعلام، ليسا تحت مستشفى الساحل بل تحت سنتر الساحل المجاور، في وقت يستمر فيه استهداف المدنيين والمناطق السكنية والتجارية، من السوق التجاري في النبطية ومحاله التجارية، الى كل من صور والضاحية الجنوبية لبيروت.
هذا ويستمر العدو الاسرائيلية في استهدافه العمق اللبناني بقاعا، في محاولة لعزل المحافظة عن بيروت والجنوب، وعزل لبنان عن سوريا، حيث باتت كل المعابر الشرعية بين البلدين خارج الخدمة، باستثناء العبودية» شمالا، رغم تأكيد التقارير الاستخباراتية ان الاجراءات الاسرائيلية لم تحل دون وصول التعزيزات، حيث لا تزال خطوط الامداد سالكة بين سوريا ولبنان.
في المقابل، يعيد حزب الله تنظيم صفوفه بعد الضربات القاسية التي تلقاها، بدليل انتخاب الشيخ نعيم قاسم امينا عاما خلفا للسيد حسن نصرالله بعد شهر على استشهاده، في مؤشر قرأ فيه الكثيرون عزما على المضي في حرب طويلة. اما ميدانيا، فيبدو الحزب صامدا في وجه الضربات، مصعدا من وتيرة اطلاق صواريخه، ومدخلا انواعا جديدة الى ساحة القتال، موقعاً خسائر فادحة في قوات العدو البرية وبوتيرة يومية.
مؤشرات التصعيد
ليس بعيدا، أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن الوزير ورئيس حزب «أمل جديد» جدعون ساعر مرشح لخلافة غالانت، اذ بحسب الوسائل الإعلامية الإسرائيلية فإن محادثات تجري بين ساعر ونتنياهو بشأن انضمامه الى الحكومة، كوزير للدفاع أو الخارجية خلال ساعات، مشيرة إلى أن الخيار الأول أكثر ترجيحا، وهو امر في حال حصل، فإنه سيشكّل دليلا قاطعا على ان تل ابيب ليست ابدا في صدد التهدئة او تسهيل التسويات، وان تجاوب تل ابيب مع «رغبة» واشنطن اكان في ضربة ايران او في الجلوس الى الطاولة في قطر، ليس الا شكليا، بينما قرار «اسرائيل» الفعلي لا يزال على حاله: لا تهدئة في المدى المنظور.
معادلة رئاسية ذهبية
في الاثناء، لفتت زيارة المندوب الخاص لوزير الخارجية الايراني لشؤون الشرق الاوسط محمد رضا شيباني، والذي كلف مهام السفارة الايرانية في بيروت، الى كل من الرابية والبياضة، حيث التقى كلا من الرئيس السابق للجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، بعد المواقف الحادة التي اطلقتها ميرنا الشالوحي وتناولت طهران من ضمن ما تناولته، في وقت نجح فيه «صهر الرابية» في احداث خرق في جدار العلاقة مع الولايات المتحدة الاميركية، فقد اجتمع موفدون من قبله، بوساطة دولة عربية، بمسؤول اميركي رفيع في احدى الدول، حيث تمت مناقشة الملف الرئاسي من بوابة المبادرة التي يسعى «البرتقاليون» لطرحها.
وفي هذا الاطار، تكشف معلومات ديبلوماسية ان السباق الجدي بات محصورا بين شخصية عسكرية سابقة، ووزير سابق، رغم جزم المعنيين بان الملف الرئاسي معلق راهنا، وان اي حلحلة على هذا الصعيد لن تكون قبل بداية العام المقبل، رغم كل ما يتم تسويقه والحديث عنه، فالعواصم المعنية توصلت الى ارساء مجموعة من المعادلات في هذا الخصوص ابرزها، واحدة وصفت بالذهبية « لا رئيس «يكسر» ميرنا الشالوحي، ولا رئيس لا تقبله معراب.
امين عام جديد
وما ان اعلن عن انتخاب الشيخ نعيم قاسم امينا عاما جديدا لحزب الله، خليفة للسيد حسن نصرالله، كما جاء في بيان الحزب، من باب التأكيد على ان المركز بقي شاغرا، خلافا لكل ما نشر وتم تداوله، حتى سارع وزير الدفاع يوآف غالانت الى نشر صورة للشيخ قاسم مصحوبة بعبارة «لقد بدأ العد التنازلي لموعده، تعيينك مؤقت»، في رسالة تهديد واضحة. فكما ان انتخابه لم يكن مفاجئا، فلن يكون مفاجئا ايضا ان تهدد «اسرائيل» باغتياله.
التحليلات الاولية اجمعت كلها، على ان شخصية قاسم تدل على الانتقال الى مرحلة جديدة، يطغى عليها الطابع السياسي، نظرا للمهام التي سبق ان قام بها، سواء من خلال تواصله مع الصحافيين الاجانب، او لقاءاته بالمسؤولين الاجانب، خصوصا الالمان والفرنسيين. وتشير المصادر الى ان الانتخاب يدل على حصول تواصل بين مختلف اعضاء شورى حزب الله، فالخطوة في ظل الوضع الراهن تحمل ابعادا عديدة، ابرزها ترميم مختلف المواقع الشاغرة بما فيها الامين العام، ما يعزز منظومة القيادة والسيطرة في بعديها السياسي والعسكري، داعية الى الانتظار لحين اكتمال عقد القيادة، في المجلس التنفيذي، وعلى صعيد القيادات الامنية.
الوضع الميداني
في الاثناء، وفيما المفاوضات الجدية للتهدئة لم تنطلق بعد، دخل عدد كبير من الدبابات الاسرائيلية من محيط مستعمرة المطلة الى الاراضي اللبنانية، حيث وصلت الى تلة الحمامص والاطراف الشرقية لبلدة الخيام خلال الساعات الماضية، على وقع عشرات الغارات الممتدة من الجنوب الى البقاع، مخلفة عشرات الشهداء والجرحى ودمارا هائلا، في وقت اعلن فيه حزب الله ، من جهته، انه استهدف مستعمرتي دلتون ثم كفر فراديم بالصواريخ، وقال «استهدفنا برشقة صاروخية تجمعا لجنود إسرائيليين في مستعمرة معالوت ترشيحا» و اعلن ان عناصرنا في «وحدات الدفاع الجوي أسقطوا مسيرة هرمز 900 فوق منطقة مرجعيون بصاروخ أرض – جو، وشوهدت تحترق»، معلنا «اننا استهدفنا تجمعاً لجنود العدو الاسرائيلي في موقع جل العلام بصلية صاروخية»، كما قصفنا «تجمعاً لجنود العدو في موقع رأس الناقورة البحري بصلية صاروخية»، واعلن «اننا استهدفنا تجمعاً لجنود العدو الاسرائيلي في منطقة وطى الخيام (جنوب شرق البلدة) بصلية صاروخية وقذائف المدفعية». وقال «قصفنا مستعمرة كريات شمونة بصلية صاروخية»، و «استهدفنا قاعدة بيت هلل بمسيرة انقضاضية وأصابت أهدافها بدقة».
الوضع الاقتصادي
ومع انتهاء اعمال مؤتمر باريس وما خلص اليه من دعم، بينت الساعات الماضية ان الرياح سارت بعكس ما اراده الرئيس الفرنسي، من خلال تأكيده على التعاون مع الدولة اللبنانية في مجال المساعدات، وفقا لما جاء في كلمته، اذ جاءت الوقائع لتبين ان المساعدات المالية لا تاتي بمعظمها للدولة ووزاراتها، بل تعطى للمنظمات الشريكة في خطة النازحين.