IMLebanon

الديار: عدم دفــــع الإستحقاق يُـدخل لــبنـان في الفوضـى؟

 

الخلافات السياسيّة السبب بعدم قدرة الدولة على المواجهة

 

قالها الرئيس حسّان دياب، لبنان «يُعلّق دفع استحقاقاته»! عبارة مُبهمة في لغة الأسواق على الرغم من أن مُعظم من سمع التصريح فهم أن لبنان يتخلف عن الدفع. إلا أنه وفي لغة الأسواق هذه العبارة ومن دون تفسير تترك الأمور مُبهمة إذ ان غياب إيضاحات يعني ترك الباب مفتوحًا على إمكانية إعادة دفع المستحقات (أو قسم منها) بحسب تطوّر الأمور.

 

غموض قانوني

 

بعض المعلومات الصحافية تقول ان الدولة بدأت مفاوضات مع الدائنين منذ أسبوعين، إلا أن الغموض القانوني الذي خلّفه حذف بند أساسي من شروط إصدارات سندات اليوروبوندز من تشرين الأول 2014 (Collective Action Clause) يضع الحكومة اللبنانية على الرغم من المفاوضات، أمام مخاطر حجز أصولها في الخارج ومنها طائرات الميدل إيست، الذهب، البواخر التي تحمل المحروقات لشركة كهرباء لبنان وقد تصل إلى حدّ المسّ بأصول القطاع الخاص اللبناني في الخارج نظرًا إلى التعقيدات المالية والقانونية التي ترافق العمليات المالية والإمكانات التي يتمتّع بها القانون الأميركي خصوصًا إذا ما تمّ رفع الدعاوى في نيويورك.

 

الرئيس حسان دياب وخلال مؤتمره الصحفي الذي توجّه فيه إلى اللبنانيين لم يُطلع اللبنانيين على المخاطر القانونية التي ترافق قرار الحكومة اللبنانية تعليق دفع المستحقات من سندات اليوروبوندز. هذا الأمر حّق للبنانيين أن يطلعوا عليه خصوصًا أن الرئيس دياب كان صريحًا ولعل وصفه فظاعة الفساد بالطريقة التي وصفها به شكل سابقة لم يجروء أحد من المسؤولين القيام بها من قبل.

 

من حذف بند «Collective Action Clause» من شروط إصدار سندات الخزينة اللبنانية بالدولار الأميركي؟ الحكومة ورئيسها مُطالبان بإعطاء توضيحات للبنانيين لأن هذا الحذف يُشكّل ضربة للكيان اللبناني تدخل إمّا في خانة عدم الكفاءة من قبل الذين قاموا بهذا الأمر أو في خانة التواطؤ على لبنان وعلى مصلحته العليا.

 

خطاب الرئيس حسان دياب وعلى الرغم من صراحته، أضفى جواً من الغموض لدى الرأي العام ولكن أيضا لدى الأسواق المالية. فإعلانه أنه سيدخل في مفاوضات مع الدائنين والشركاء الدوليين للوصول إلى صيغة ملائمة للجميع، يعني أنه حتى الحكومة لا تعرف ما ستؤول إليه هذه المفاوضات والمخاطر التي قد تنتج منها في حال فشلت خصوصًا من ناحية عزل لبنان ماليًا وضرب الأمن الإجتماعي للمواطن اللبناني.

 

مع الدفع أو مع عدم الدفع؟ هذا السؤال الذي طُرح مئات المرات على المسؤولين والخبراء في المقابلات، يُمثّل حالة الانقسام التي خلّفها نقص المعلومات. فالرأي العام يُصنّف من هو ضدّ الدفع على أنه مُدافع عن المودعين وحقوقهم بحكم أن

 

هذه الأموال ستُدفع من الودائع، ومن هو مع دفع الاستحقاق على أنه عميل للمصارف ويتمّ تخوينه. وهذا الأمر يُذكّرنا بوباء كورونا اذ تمّ تسيسه على انه أت من إيران وبالتالي من هو مع إجراءات منع استقبال الطائرات من إيران هو ضدّ إيران ومن هو ضد منع استقبال الطائرات هو عميل لإيران!!

 

للأسف وصلنا إلى هذا المستوى من التعاطي في شؤون عامة أصبحت تمسّ الكيان اللبناني برمّته من دون خلفية علمية لمواجهة هذه الأمور التي تُشكّل تحدّيات هائلة للدولة اللبنانية.

 

كل الناس مع عدم الدفع، لكن الأسئلة المطروحة: ماذا بعد عدم الدفع؟ هل ســتكون هنــاك ملاحقات قانونية بحقّ الدولة اللبنانية؟ وهل سيكون لذلك تأثير في المواطن اللبناني؟ هل الكلفة الناتجة من ذلك هي أقلّ من كلفة دفع الاستحقاقات؟

 

تعتيم يزيد من الغموض

 

الخطّة التي طرحها الرئيس حسان دياب في خطابه تضمّنت عدّة بنود على رأسها: «خفض الانفاق عبر إجراءات طال انتظارها»، «الالتزام بالإصلاحات التي جرى التعهد بها في مؤتمر مانحين دولي في 2018 لضمان 11,6 مليار دولار من المنح والقروض، «إعداد خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي»…

 

وذكر الرئيس دياب في خطابه مُشكلة الكهرباء والتي ستسمح بتوفير 350 مليون دولار أميركي، إلا أنه لم يُحدّد كيف ستقوم حكومته بـهذا الأمر في ظل وجود وجهتي نظر متضاربتين تتنباهما قوى سياسية مُشاركة في حكومته. هذا التباين في الحلول سيُصعب الأمر أكثر اذ ان خسارة الوقت تُترجم تلقائيًا بتردّ مالي واقتصادي واجتماعي!

 

أيضًا لم يذكر الرئيس دياب كيف سيُفاوض القطاع المصرفي اللبناني على ما يحمله هذا الأخير من سندات خزينة بالدولار الأميركي مُقدّرة بنصف الدين بالدولار البالغ 30 مليار دولار أميركي. أليس قسم كبير من هذه الأموال هو من ودائع اللبنانيين؟ ومن سيتحمّل الخسارة في حال تمّ تخفيض القيمة الاسمية لهذه السندات (Haircut)؟

 

وهل قوله «لا نحتاج قطاعًا مصرفيًا يفوق بأربعة أضعاف حجم اقتصادنا» هو تمهيد لـ «Haircut» على سندات الخزينة بالعملة الأجنبية؟

 

على كل الأحوال عدم وجود أجوبة عن هذه الأسئلة يزيد من غموض المرحلة المقبلة.

 

مُحاربة الفساد

 

«الفساد والهدر أنهكا كاهل الدولة ففرضا نفسهما في السياسة والاقتصاد والإدارة العامة وشتى مجالات الحياة اليومية. كان الفساد في البداية خجولاً ثم أصبح جريئاً وبعد ذلك صار وقحاً إلى أن أصبح فاجراً وجزءاً رئيسياً من مكونات الدولة والسلطة والمجتمع». هذا الكلام الجريء هو للرئيس حسان دياب الذي باعتقادنا وضع إصبعه على لب المُشكلة، لأن مُشكلة لبنان هي الفساد ولا شيء غير الفساد.

 

تراكم الدين العام هو نتاج سياسات الحكومات التي تعاقبت على السلطة منذ انتهاء الحرب الأهلية وحتى يومنا هذا. والأصعب في الأمر هو أن قطوعات الحساب غائبة ولا نيّة واضحة لإقرارها على حقيقتها المرّة! فآخر قطع حساب تمّ إقراره في العام 2005 هو قطع حساب العام 2003. إلا أن قطع الحساب هذا تمّ نسفه من خلال عملية إعادة تكوين الحسابات التي قامت بها وزارة المال والتي إن صدقت أرقامها (وأغلب الظنّ نعم) هناك فارق بقيمة 16.3 مليار دولار أميركي بين ما هو مكتوب في في حسابات الدولة وبين قطوعات الحساب.

 

أضف إلى ذلك، السؤال الذي يهمّ المواطن هو : أين صُرفت الأموال التي تمّ اقتراضها وأصبحت ديناً عاماً على الخزينة العامّة؟ أليس إقرار قطوعات الحساب ومُحاسبة المسؤولين هو المدخل الأساسي لمحاربة الفساد؟

 

الكل يعلم حجم التجاذبات والمحميات السياسية، والكل يعلم أن هذا الأمر سيُشكّل عائقاً أساسياً إذ لم نقل مُستحيل تجاوزه للنهوض بالدولة اللبنانية. كيف تنوي حكومة الرئيس حسان دياب التعاطي مع هذا الملف؟ آلاف المشاريع العامّة التي انتهت بكوارث على الصعيد المالي ومليارات الدولارات تمّ تحميلها لخزينة الدولة نتيجة مشاريع «الفيل الأبيض»!

 

الفساد حرم المواطن من كل الخدمات التي تُشكّل قاعدة للعيش الكريم ودفعه إلى الهجرة وفي كل استحقاق يتمّ رفع راية الانقسام المذهبي لإعادة لمّ الصفوف في حين أن المطلوب واحد: «محاربة الفساد».

 

باعتقادنا، إحدى أهم المعوقات التي ستقف أمام الرئيس دياب وحكومته هي الانقسامات السياسية والمذهبية التي ستزيد من وجع الناس ومعاناتهم. فهل سيستطيع الرئيس حسان دياب تخطّي هذه المعوقات؟ الجواب في الأسابيع والأشهر القادمة.