اتفاق بين «المستقبل» و«التيار» لمحاصرة «القوات» والحكومة الجديدة بإشراف عون والحريري
«بيت الوسط» قلق وتفاجأ بالزيارة الدبلوماسية الى بعلبك
ابراهيم ناصرالدين
عشية انعقاد مؤتمر «سيدر» في باريس يوم الجمعة المقبل، ووسط وعود اقتصادية مبالغ فيها من قبل رئيس الحكومة سعد الحريري، يستمر التراشق الانتخابي بنسق سياسي مرتفع خصوصا من قبل تيار المستقبل الذي يستخدم شعارات سياسية تتناقض مع مسار الاحداث السياسية الداخلية والاقليمية، واذا كانت زيارة الدبلوماسيين الاماراتي والسعودي الى بعلبك قد اصابت حملة «المستقبل» بانتكاسة، فان رفع رئيس الحكومة نبرة خطابه السياسي ضد النظام السوري وحزب الله، يقابله تراجعه عن الاتفاق مع التيار الوطني الحر ازاء «مناكفة» الرئيس نبيه بري، فيما تدل المؤشرات على انقلاب المشهد بعد الانتخابات النيابية حيث ستكون العلاقة اللبنانية السورية مجددا على «الطاولة»، ولن يتمكن الحريري من تجاوز التطورات السياسية والعسكرية على الجانب الاخر من الحدود… ومع ترقب ازدياد الحماوة الانتخابية بعد عطلة «الفصح الشرقي» الاسبوع المقبل، تبقى الاسئلة مفتوحة ازاء كيفية تعامل «خصوم» تيار المستقبل مع تصعيده الذي تجاوز في بعض الاحيان «الخطوط الحمراء»..
ماذا لو قرر حزب الله؟
اوساط مقربة من «الثنائي الشيعي» تشير الى ان حزب الله لا يشعر «بالقلق» او «الذعر» الذي ينتاب الرئيس الحريري غير الواثق بعد من عودة جمهور تيار المستقبل الى «بيت الطاعة»، وهو لذلك يخوض معركة «دونكيشوتية»، يقاتل فيها «طواحين الهواء»، محاولا مسح «ذاكرة» جمهوره كي ينسيهم عملية احتجازه في المملكة العربية السعودية، وهي الحقبة التي يدين فيها اولا واخيرا لحزب الله الذي يعود له الفضل في بقائه على «قيد الحياة» سياسيا.. ولو قرر الحزب فتح الملفات واباح لمسؤوليه اخبار الحقائق كاملة لكان عنوان المرحلة هو «اتق شر من احسنت اليه»، لكن الحزب الذي لم يلغ من حسباته بان يكون يوم كشف الحقائق ليس بعيدا، لم يتخذ قراره بعد لسردها، لاسباب اخلاقية وسياسية، ولو اصبح الكلام مباحا لعرف جمهور رفيق الحريري حقيقة ما كان ينصب لنجله من «افخاخ» مميتة، وكيف تمت عملية انقاذه؟.. ثمة الكثير من اسرار تلك المرحلة لم تكشف بعد، بعض «ابطال» الحملة على حزب الله وسلاحه يعرفون تفاصيلها جيدا، لكنهم يراهنون على «سعة صدر» قيادة الحزب وترفعها عن «الصغائر»، لكنهم يعرفون جيدا من اتصل بمن؟ ومن التقى بمن؟ وكيف وضع حزب الله «ثقله» داخليا حين كانت الامور قاب قوسين او ادنى من الخروج عن السيطرة؟ وكيف استثمر الحزب «ثقله» الاقليمي في هذا السياق؟ وكذلك يعرف هؤلاء جيدا من هددهم بفضح دورهم «التخريبي» في سوريا بعد تعنتهم في رفض «مبايعة» بهاء الحريري..؟ ومن «ابتزهم» بكشف تعاونهم اللصيق مع الأمير بندر بن سلطان الذي قاد حرب اسقاط الرئيس بشار الاسد؟ ومن رافقه الى الحدود الأردنية – السورية؟ وكيف قاموا بالادوار الرئيسية بتسليح «الثورة» عبر الحدود اللبنانية مع وجود اتهامات موثقة بهدر المليارات من الخزينة السعودية؟ كلها في «صندوق» اسرار ستشكل الكثير من الاحراجات الصادمة لكثير من الاطراف، وفي طليعتها جمهور رئيس الحكومة وفريق عمله السياسي والدعائي.
المفاجآت الحريرية بعد الانتخابات
اما مفاجئة الحريري الى جمهوره بعد الانتخابات فستكون «الانقلاب» مجددا على شعاراته الانتخابية حيال الموقف من سوريا، فاغراء اموال اعادة الاعمار ستجعله ينحو اكثر نحو «المهادنة»، اما خروجه عن معادلة «النأي بالنفس»، فستعطي الاخرين الحق بالعودة عن التفاهمات السابقة التي لم تؤد فقط الى خفض منسوب «التراشق» الاعلامي الاقليمي فحسب، وانما الى تراجع فريق رئيس الجمهورية، وكذلك حزب الله، بناء على نصائح الرئيس بري، عن الاندفاع لتعزيز العلاقات اللبنانية السورية، فهذا الملف سيعود مجددا الى الواجهة بعد الانتخابات النيابية، وما زرعه رئيس الحكومة خلال حملاته الانتخابية سيحصده بعد صدور النتائج وما يليها من مرحلة سياسية ستكون «حبلى» بالتطورات المرتبطة حكما بمسار الحرب في سوريا، فمع سقوط غوطة دمشق الشرقية، ومع تسارع الترتيبات الاقليمية والدولية الجارية على قدم وساق لانهاء الازمة، لن يكون لبنان بعيدا عن هذه المناخات، وستعود الى الواجهة اولوية التنسيق السياسي والامني مع النظام السوري لاعادة النازحين الى سوريا، يضاف الى ذلك اطلاق عجلة استعادة زخم العلاقة الاقتصادية والتجارية مع دمشق، خصوصا مع رغبة الرئيس الحريري الجامحة مع «شريكه» السياسي التيار الوطني الحر، في الدخول الى السوق السورية، ونيل حصة في عملية اعادة الاعمار..!
اتصال الحريري – بري
وفي سياق متصل بمرحلة ما بعد الاستحقاق الانتخابي، لفتت اوساط وزارية بارزة الى ان مسارعة رئيس الحكومة سعد الحريري الى الاتصال بالرئيس نبيه بري لنفي «اتهامات» النائب وليد جنبلاط حيال اتفاقه مع التيار الوطني الحر على عزله في المرحلة المقبلة، يعود الى ادراك رئيس الحكومة بوجود «مكانة» خاصة في عين التينة «لزعيم» المختارة الذي سبق وحذر «صديقه» رئيس مجلس النواب بعيدا عن الاضواء قبل ان يخرج عن صمته «بفعل» تراجع رئيس تيار المستقبل للاتفاق في البقاع الغربي، ولان كلام «البيك» له وقعه لدى رئيس المجلس، سارع الحريري الى «التنصل» من التفاهم مع التيار الوطني الحر حيال جعل عودة الرئيس بري الى رئاسة مجلس النواب دونها صعوبات، اي افتعال «زكزكة» على ضوء نتائج الانتخابات، لايصال «رسالة» سياسية تكون «باكورة» انطلاقة جدية للعهد مع حكومته الاولى التي سبق ووعد انها ستكون ما بعد الانتخابات.. هذا مع علم الطرفين انهما غير قادرين على تجاوز «الثنائي الشيعي» في خياراته، خصوصا بعد ان «رسم» حزب الله خطا احمر عريض عنوانه ممنوع «اللعب» في مسالة الرئاسة الثانية، والتيار بشكل خاص ليس بعيدا عن هذه الاجواء.
«رسائل» «الثنائي الشيعي»..
وبحسب تلك الاوساط، فان مسارعة الحريري الى نفي وجود اي نية لمجاراة لبتيار الوطني الحر في «مواجهته» المفتوحة مع بري، يعود الى تلقيه «رسائل» واضحة من اصدقاء مشتركين بينه وبين رئيس المجلس، تنصحه بعدم الانزلاق الى «لعبة» غير مجدية وفي توقيت خاطىء، «فالزكزكة» في رئاسة المجلس النيابي قد تتحول الى «ازمة» جدية عند تسميته رئيسا للحكومة المقبلة، واذا كان الحريري يضمن الحصول على اكثرية نيابية تسميه بدعم من التيار الوطني، فان تشكيل الحكومة سيكون مستحيلا دون حصوله على «تأشيرة» من «الثنائي الشيعي»، كما ان الالعاب «الصبيانية» قد تتحول الى تشدد غير مسبوق في توزيع الحقائب الوزارية، ما يضع رئيس الحكومة في وضع صعب… ولذلك فضل الحريري الترتجع عن التزاناته مع التيار الوطني الحر، وعدم الانزلاق الى «متاهة» رد الاعتبار الى رئيس الجمهورية التي يصر التيار الوطني عليها من «بوابة» رد «الصاع صاعين» للرئيس بري الذي لم يمنح الرئيس عون اصواته في المجلس… ووفقا للمثل الشائع «لا تنام بين القبور وتشوف منامات وحشة» قرر الحريري الانسحاب علنا من تفاهمه مع التيار الوطني، وهو اتفاق يعرف تفاصيله جديا رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط.
حصار «القوات»..
وبحسب تلك الاوساط، ابلغ الحريري التيار الوطني الحر ان انسحابه من التفاهم حول رئاسة المجلس النيابي، لا ينسحب على تفاهمه حول الحصص المسيحية في الحكومة المقبلة، فتقليص حصة القوات اللبنانية يبقى الامر الثابت في التفاهم والرهان ليس على نيل القوات كتلة نيابية صغيرة، لخفض حصتها في الحكومة، وحكماً عدم إعطائها حقيبة سيادية، أو منصب نائب رئيس الحكومة، فهذا الامر محسوم في السياسة ولا علاقة له بحجم الكتلة النيابية، والذي سيعرض على القوات يفترض ان تقبل به، او تخرج من «الجنة» الحكومية، والمفارقة ان الرئيس الحريري يبدو مرتاحا الى عدم تعرضه لضغط سعودي في هذا الملف، ويتحدث في دوائره الخاصة عن تخل سعودي قريب عن «معراب» كما جرى التخلي عن اللواء اشرف ريفي…؟؟ علما ان حكومة ما بعد الانتخابات النيابية ستكون باشراف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري وسيتم فيها محاصرة القوات اللبنانية من قبل التيار الوطني الحر وتيار المستقبل.
توقيت سيئ؟
في هذا الوقت تحدثت اوساط بيروتية عليمة باجواء «بيت الوسط» عن حالة من «الاستياء» لدى رئيس الحكومة سعد الحريري ومستشاريه المقربين من زيارة القائم بالاعمال السعودي الوزير المفوض وليد البخاري وسفير الامارات حمد الشامسي الى الجامع الاموي الكبير في بعلبك يوم الجمعة الماضي، ولفتت الى ان رئيس الحكومة فوجىء باتصال من قادة احد الاجهزة الامنية يبلغه بان ثمة طلباً من قبل السفارتين المعنيتين بتأمين حماية امنية للزيارة، وقد فوجئ الحريري بالامر لانه لم يكن مطلعاً مسبقا على الامر، وحاول من خلال التواصل مع البخاري اقناعه بعدم الاقدام على الزيارة في هذا التوقيت «السيئ» الذي سيتسبب باستفزاز الجمهور الاخر، ويعطي مصداقية لخطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي «يحرض» جمهوره على الاقتراع باعتبار ان معركة بعلبك – الهرمل، ليست محلية وانما ذات ابعاد اقليمية ودولية.. لكن القائم بالاعمال السعودي اصر على اتمام «رحلته» البقاعية عازيا الامر الى سببين، الاول عدم قدرته عن التراجع عن هذه الخطوة المنسقة على اعلى المستويات بين الرياض وابو ظبي، ثانيا، وجود قناعة لدى القيادتين الاماراتية والسعودية بضرورة ايصال «رسالة» واضحة الى «الكتلة» السنية الناخبة في تلك المنطقة بانها ليست متروكة ولديها دعم جدي وعملي، وهذا ما سيحفزها على النزول الى صناديق الاقتراع وعدم «الخوف» من الطرف الآخر الذي لا يمكن لاحد انكار «سطوته» وقدراته… وعندما لم تفلح «نصائح» الحريري، المدرك للنتائج العكسية المرتقبة لهذه الخطوة، في الغاء الزيارة، اضطر الى ملاقاة الدبلوماسيين في زيارتهما، دون الكثير من المبالغة»، فطلب من منسق تيار المستقبل في بعلبك محمود صلح والمرشح عن المقعد الانتخابي في دائرة بعلبك – الهرمل حسين صلح، التواجد الى جانب مفتي بعلبك الهرمل الشيخ خالد صلح اثناء الزيارة.
«ترميم» العلاقة السعودية مع جنبلاط
وتحضر السعودية مجددا في لبنان اليوم من خلال افتتاح جادة الملك سلمان بن عبد العزيز في وسط بيروت، وبحسب اوساط مطلعة، من المرتقب وصول مسؤول الملف اللبناني نزار العلولا للمشاركة في هذا الافتتاح، واستكمال لقاءته السياسية، وقد تلقى النائب وليد جنبلاط دعوة رسمية سعودية للمشاركة من خلال زيارة «كسر الجليد» التي قام بها القائم بالاعمال السعودي وليد البخاري الاحد الى كليمنصو، ووفقا لاوساط «الاشتراكي» ينظر جنبلاط «بارتياح» الى مبادرة الرياض وتجاوزها مرحلة الفتور في العلاقة معه، مع تأكيدها ان الزيارة لم تتطرق الى أي شأن داخلي يتعلق بالانتخابات النيابية، كما حرص الجانبان على عدم اثارة الاسباب الكامنة وراء «تدهور» العلاقات الثنائية، وفي هذا الاطار تأتي زيارة البخاري في سياق ترجمة القرار السعودي بفتح صفحة جديدة مع «المختارة» على الرغم من علاقتها «المتوترة» انتخابيا مع «بيت الوسط».. ووفقا لتلك الاوساط فان عودة الحرارة الى العلاقة مع السعوديين لا تعني ان النائب جنبلاط سيغادر تموضعه الراهن، فهو مرتاح لموقعه الحالي ولا عودة الى الوراء ابدا، خصوصا ان التطورات الاقليمية والدولية المتسارعة، لا تسمح «بترف» العودة الى الاصطفافات السابقة التي لم تعد تتناسب مع الوقائع السياسة الحالية.