العلاقة مع روسيا وتركيا جيدة والحرب مستبعدة رغم جنون ترامب ونتنياهو
طهران: الاميركيون غادروا من الباب فلن نسمح لهم بالعودة من الشباك والاستقرار شرق الفرات
رضوان الذيب
الايرانيون واقعيون، ويراقبون ما يجري حولهم بدقة وبحسابات «حياكة» السجاد الايراني الدقيقة والمعقدة والتي تحتاج الى «نفس طويل»، وليس كما يتصور البعض في الخارج، ان اياديهم على «الزناد» دائما، وصواريخهم جاهزة، و«يهوون الحروب» والحصار والتنقل من ساحة الى ساحة. ولذلك، من يزور طهران وما يسمعه من المسؤولين الايرانيين وبعض النخب الايرانية ووسائل الاعلام يخرج بتصور مغاير، وبانطباع واقعي، فالايرانيون ليسوا مغامرين مطلقاً، يعرفون بدقة المرحلة وخطورتها، والاهم يعرفون ماذا يريدون، واسباب الحصار على بلدهم منذ اليوم الاول لثورة الامام الخميني، ويعرفون ان الايام المقبلة صعبة جداً بسبب سياسات الرئيس الاميركي ترامب وولاءه المطلق لاسرائيل، كونه لا يرى الا بالعين الاسرائيلية، لكن المسؤولين الايرانيين وفي مختلف توجهاتهم الاصلاحية والراديكالية والوسطية، متفقون على التمسك بدور ايران ومكانتها وموقعها في المنطقة، فلا خلاف بين المسؤولين الايرانيين على التمسك بالاتفاق النووي كما وقع عليه بين ايران ومجموعة الدول الخمس + المانيا، ويدركون ان المأزق عند الاخرين وتحديداً عند السعودية وواشنطن واسرائيل ودول الخليج، وان الضغوط لن تبدل في الموقف الايراني، فلا انسحابات او تراجع عن الدعم لمحور المقاومة من لبنان وسوريا وفلسطين والعراق واليمن والبحرين وهذا الامر موضع اجماع ايراني.
فايران تدرك مدى حجم الضغوط على دولة اشبه «بقارة» مساحتها مليون و300 الف كلم2، وكل «جيرانها» لديهم مشاكل من افغانستان الى الدول الاسلامية في الاتحاد السوفياتي سابقاً، الى العراق وتركيا وقطر ودول الخليج، واهمية المنطقة الاستثنائية، المنتج الاول للنفط في العالم ومحاولات الهيمنة عليه، وتدرك بان قرارها المستقل بشأن نفطها السبب الاساس للضغوط وكذلك مواردها الطبيعية من الحديد والخام، وهذا يشكل الهدف الاساسي لاميركا واسرائيل ودول الخليج لهز استقرار ايران واخضاعها ومصادرة قرارها المستقل، لكن ايران نجحت من خلال المواجهة في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين بتحصين موقعها وها هو محور المقاومة يحقق الانتصارات. لكن النصر النهائي يحتاج الى مواجهات اصعب واشمل، وهذا الامر يعرفه الايرانيون جيداً، لكنهم يدركون انهم نجحوا بسحب الاتراك من الحضن الاميركي، كون الهم الكردي يجمعهما، والعراق اليوم دولة حليفة، وقطر لا ننسى «افضال» طهران بعد الهجوم الخليجي. كما استطاعت «فكفكة» مشاكلها مع افغانستان والدول الاسلامية في الاتحاد السوفياتي سابقاً، ولكن ذلك لا يعني زوال الخطر بل المطلوب زيادة الحيطة والاستنفار لمنع هز الاستقرار الداخلي الايراني، وهذا له اثمان على الدولة الايرانية واقتصادها.
وفي موازاة ذلك، بذلت الدولة الايرانية جهوداً كبيرة في تحسين البنية التحتية من كهرباء ومياه وطرقات، وازالة الفوارق الاجتماعية بين شمال طهران الغني والجنوب الفقير، حيث اسعار الشقق في الشمال خيالية، لكن الدولة الايرانية انجزت ضماناً صحياً شاملاً، وتعليماً مجانياً، و«مترو» يؤمن الخدمات لـ 12 مليون ايراني. حيث يعيش في ايران اكثر من 15 مليون مواطن كما ان شبكة الانترنت مفتوحة لجميع الايرانيين، ولعبت دوراً سيئاً في الاحداث الاخيرة، ويعترف المسؤولون الايرانيون بتقصير الدولة في تأمين الشقق السكنية للشباب، وهي الطامة الكبرى بالاضافة الى الدخل المحدود، كما يعترف المسؤولون الايرانيون بوجود فساد في العديد من مفاصل الدولة ولا يمكن مقارنته بلبنان او بالسعودية او اي بلد عربي آخر وحتى اوروبي، ويعرفون مدى التلوث في بعض القطاعات، وضعف الاعلام مقارنة باعلام المحور المضاد.
النقاشات في ايران مفتوحة، وكل النخب الايرانية تشارك بما يتعرض له بلدهم، وقد نجحت الدعاية الخارجية الى حد ما في اثارة اسئلة لدى بعض الجمهور الايراني بان سبب مشاكل ايران انغماسها بمشاكل المنطقة ودعمها لحركات التحرر الوطني في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق واليمن والبحرين وغيرها من دول العالم، رغم ان هذا الدعم يشكل جزءاً بسيطاً جداً من موازنة ايران.
ايران التي تدرك هذه المخاطر، حصنت نفسها داخلياً، وهناك اجراءات انفتاحية داخلية قريبة، والنقاشات تتقدم باتجاه التخفيف من الاجراءات على الشباب والنساء، مع العلم ان المرأة الايرانية تأخذ حقوقها الافضل بين كل دول المنطقة.
ورغم كل هذه الصعوبات والمشاكل، فالاحداث الاخيرة كشفت مدى التفاف الشعب الايراني حول قيادته وحرصه على بلده، والتحركات ضد الدولة بقيت محصورة بشوارع معينة وافراد قليلون،رغم ان «الشائعات» التي بثت حول افلاس احد البنوك، حركت مشاعر الغضب في ايران وتحديداً في اصفهان.
اهتمام المسؤولين الايرانيين بالشؤون الداخلية، يوازي الاهتمام الخارجي، فايران دولة لها مشاكلها كأي دولة في العالم، لكن الحصار على ايران كان مكلفاً جداً منذ 40 سنة، وحرمها من كل المواد الاولية، باستثناء الدعم الصيني والروسي، والعقل الايراني لعب دوراً اساسياً في حل مشاكل الكهرباء وتأمين المواد الاولية من انتاج محلي، لكن الصعوبات كانت كبيرة، ونتيجة الحصار حرمت ايران من كل التكنولوجيا الغربية، وصرفت مليارات الدولارات لحصارها وتشويه صورتها.
وفي الشق الخارجي ايضا، يعترف المسؤولون الايرانيون ان وقوف ايران الى جانب لبنان وسوريا وفلسطين والعراق واليمن والبحرين، هو السبب الاساسي لكل الضغوط عليها بالاضافة الى قرارها المستقل بشأن مواردها الطبيعية. ويعتبر المسؤولون الايرانيون خلال النقاشات ان محور المقاومة بات حلقة واحدة متراصة، واي خلل في حلقة منه يطال الحلقات كلها، «كطبق النحاس» ويعترفون ان المواجهات بين محور المقاومة والممانعة والمحور الاميركي – الاسرائيلي – السعودي كانت صعبة ومستمرة، لكن اي محلل واقعي ينظر الى المواجهات يكتشف بالدليل الحسي، ان محور المقاومة ينتصر في لبنان وفلسطين، وان سوريا تجاوزت اخطر مرحلة في تاريخها، ولو سقطت سوريا لسقط محور المقاومة وتفكك كلياً، كما ان الفلسطينيون مستمرون بالمواجهات البطولية، ومأزق المحور الاخر وتحديداً السعودية في اليمن كبير جداً، وينظر المسؤولون الايرانيون الى الدخول الروسي بارتياح كبير جداً، والعلاقات الروسية – الايرانية في افضل ايامها، والروس والايرانيون متفقون ان سبب المشكلة في سوريا هي واشنطن بالدرجة الاولى. وعندما تتراجع واشنطن يتراجع الاخرون. وهذا لا يعني عدم وجود تباينات على التفاصيل وليس على المبدأ الذي هو ضمان امن سوريا واستقرارها ومنع تقسيمها. والزائر لايران يلاحظ مدى النشوة الايرانية بفتح طريق ايران – بغداد – دمشق – بيروت، مع قناعتهم بان هذا الانجاز يجب ان يستكمل باجراءات اقتصادية وخطوط سكك حديد لتحصين المحور اقتصادياً.
الايرانيون يعترفون بأن دعمهم اللامحدود منع سقوط بيروت ودمشق وبغداد بيد الارهابيين، وهذا الدعم لم يتوقف ولن يتوقف. وغرفة العمليات المشتركة الايرانية – الروسية – العراقية – السورية – حزب الله تناقش كل التفاصيل، وما تحتاجه ارض المعركة، وتوقيت فتح هذا المحور او ذاك، كما ينقل عن بعض المتابعين الايرانيين ان الجبهة السورية جعلت الجنرالات الروس والايرانيين والعراقيين والسوريين وحزب الله يفهمون على بعضهم جيداً وباتوا حلقة واحدة. وعالجوا مشكلة اللغة وهذا لمصلحة محور المقاومة، واسقط الكثير من التباينات، وقد نقل ضباط روس اعجابهم بشباب حزب الله الى الرئيس بوتين وكذلك بالحرس الثوري.
ويدرك المسؤولون الايرانيون ان جنون ترامب ونتنياهو ومحمد بن سلمان قد يفتح المنطقة على كل الاحتمالات. لكن مسؤولا ايرانياً يستبعد قيام اسرائيل بشن حرب شاملة في سوريا او توجيه اي ضربة لايران، وهذا مستبعد كلياً، لان اسرائيل تعرف مدى الرد الايراني جيداً، وهذا قد يؤدي الى مواجهة كبرى لا تريدها الدول الكبرى، كما انهم لا يسقطون من احتمالاتهم اي قرار اميركي او تصرف ضد طهران مع استبعاد هذا الامر لانه سيؤدي الى حرب كونية.
لكن المسؤولين الايرانيين يجزمون ان الضغوط على طهران ستتصاعد، وهم ينتظرون قرارات الرئيس ترامب بشأن الاتفاق النووي في شهر اذار، وهل التزمت ايران بالشروط، كما ان الموقف البريطاني الاخير بضرورة تبديل ايران لسياساتها امر لافت، وهو قرار اميركي بامتياز وسيزيد من الضغوط، وفي المقابل هناك دول كبيرة اوروبية متمسكة بالاتفاق النووي وبمصالحها في ظل هجمة الدول الاوروبية والاسيوية على الاستثمار في السوق الايراني. وهناك عقود لالاف الشركات، مع اعتقاد بان ترامب لن يذهب الى الاخر بنسف الاتفاق النووي بل سيكتفي بزيادة العقوبات على ايران.
اما بشأن التهديدات الاميركية – الاسرائيلية لطهران، فهي ليست بالجديدة مطلقاً، ومنذ قيام الثورة الاسلامية – الايرانية لم تخلو الصحف من تصريح اسرائيلي ضد ايران واسقاطها. وكذلك من قبل المسؤولين الاميركيين.
فالانتصار في سوريا ينظر اليه الايرانيون بمنظار مختلف كلياً عن الاخرين، وهم يقرون بالانجازات في سوريا، وانتصار الرئيس بشار الاسد، وهذا سيؤدي الى صفحة جديدة لصالح محور المقاومة في المنطقة، واسرائيل تعيش في قلق حقيقي نتيجة وصول مقاتلين ايرانيين وعرب وغيرهم الى حدود القنيطرة، واسرائيل ابلغت روسيا بهذا القلق وطلبت الانسحاب بحدود الـ50 كلم. كون المنطقة حالياً تحولت الى خطوط تماس بين هؤلاء المقاتلين والجيش الاسرائيلي. وستواجه اسرائيل «جهنماً» في هذه المنطقة اذا تجاوزت الخطوط الحمراء، فاسقاط الطائرة الاسرائيلية هو قرار محور المقاومة بالحرب وفي الحسابات انه قد يؤدي الى مواجهة شاملة ومحور المقاومة كان جاهزاً لهذا الخيار فالمتغيرات في الجولان تشكل القلق الحقيقي والوجودي لاسرائيل. وتعتبر ان ايران وراء هذا التصعيد والقرار الكبير. وبالتالي المأزق اسرائيلي وليس ايرانياً، وما زاد في القلق الاسرائيلي الاميركي تأكيد مستشار المرشد الاعلى للامام الخامنئي السيد علي اكبر ولايتي. بان قرار المرشد الاعلى منع التواجد الاميركي في شرق الفرات. وقد غادروا من الباب ولن نسمح لهم بالعودة من الشباك وكلام ولايتي جاء خلال مؤتمر في العراق بحضور رجال دين من لبنان وسوريا والعراق وفلسطين، كما ان الحشد الشعبي الموالي لايران هدد القوات الاميركية في العراق وطلب منهم الانسحاب، حتى ان الدولة العراقية قالت بوضوح «لن نسمح بان تتحول اراضي العراق الى منصات اميركية للاعتداء على ايران.
وفي ايران يلاحظ اي مراقب مدى الغضب الايراني من السياسات السعودية ومؤامراتها ومحاولة اخذ الصراع سني – شيعي، وهذا لن يحصل، وفي ايران، 10 ملايين سني، لهم كا مل المقومات ولو كان صحيحاً ان الايرانيين يريدون تشييع المنطقة لبدأوا اولا بتشييع سنة ايران، ويعتبرون ذلك غباء، ولا يميزون بين السياسة الاميركية والسعودية والخليجية ولكن قوة الردع الايرانية والبناء العسكري الذاتي الايراني وجهوزيتها وصواريخها لن تسمح لاي كا ن بالاعتداء على ايران، ومن يحاول الاعتداء على ايران سيفكر 1000 مرة قبل الاقدام على هذه الخطوة.
فايران اليوم هي الجامع لكل دول محور المقاومة، والاحتفال بالذكرى العاشرة للقائد الشهيد عماد مغنيه حضرته القوى السياسة من لبنان وسوريا والعراق وفلسطين واليمن والبحرين وكل الدول الاسلامية، وهم ناقشوا كل هموم محور المقاومة وحاسمون بتحقيق الانتصار رغم صعوبة المواجهة الذي يريدها الاخرون وبالتالي لا تمييز في ايران الا من حيث الموقع بين الرئيس روحاني والعبادي وبشار الاسد وقيادات حماس والجهاد والسيد حسن نصرالله وقيادة الحوثيين في اليمن، وفي البحرين لان المحور واحد، والقيادة واحدة، حيث اكد اللواء قاسم سليماني ان ثأرنا لدماء عماد مغنية هو بازالة اسرائيل من الوجود.
اما اللافت والبارز في ايران، فان القرار الاول والاخير يعود للقائد الامام الخامنئي، وهو المرجع، والدولة هي الاساس في كل شيء، وللحرس الثوري قوته ومكانته واجهزته ومؤسساته التي لا تتعارض مع قرار الدولة، وعندما تزورالمؤسسات الاعلامية تحديداً تلمس ان هذه الصحيفة للاصلاحيين وتلك للراديكاليين والحرس الثوري وبعضها بين بين، ويختلفون حول التوجهات الداخلية لكن قرار دعم محور المقاومة في لبنان وسوريا لا خلاف عليه مطلقاً، وان شعار «الموت لاميركا» عاد الى الواجهة رداً على الضغوط، ويعتبرون ان الانجازات في سوريا ولبنان هي انتصار لايران ومكانتها، فالقرار الايراني الواضح بدعم محور المقاومة ثابت ولا تراجع عنه مهما اشتدت الضغوط، ويدرك المسؤولون الايرانيون، ان التطورات لصالحهم على الارض باعتراف الاخرين وربما الامور الصعبة تكون دائما بالامتار الاخيرة. ويبقى اخيراً ان الاهتمام الايراني منصب مؤخراً على تطوير العلاقات مع الهند وباكستان وافغانستان وجنوب افريقيا والبرازيل ودول البريكس وتعزيز هذا المحور، وهناك تفكير جدي بعملة جديدة بين هذه الدول «بديلاً» عن الدولار الاميركي، وهذا سبب اساسي واضافي للضغط على ايران، ويسبب قلقاً حقيقياً للاميركيين، ويفتح «بابا» اضافياً للعقوبات، لان الصورة عند الايرانيين شاملة، بكل الازمات.
مهما وصلت تهديدات ترامب ونتنياهو عن توجيه ضربات عسكرية لايران وصواريخها الباليستية، وبانها مصدر للارهاب والخطر. فان هذا الكلام، «عملة غير مصروفة» في ايران التي تعيش حياتها الهادئة والمستقرة حتى الفجر، والذين يبثون الدعايات المشوهة عليهم الذهاب الى طهران لرؤية كيفية سهر االشباب الايراني، في مقاهي عامة وسماع الموسيقى، حيث النسبة الاكبر من «الدكاترة» في الجامعات من النساء.
فايران مع الاسد ونصرالله وحماس والجهاد والحوثيين والشعبين البحريني والعراقي حتى النهاية. ومن نصر الى نصر ولا بديل عن ذلك، وهي اذا لم تتواجد وتقاتل في هذه الساحات ربما تقاتل مستقبلا داخل ايران.
فالمحور واحد، مع تأكيد المسؤولين الايرانيين بانه يجب الاهتمام بالاوضاع الاقتصادية وضرورة محاربة الفساد وبناء مؤسسات حديثة لتحصين انتصارات محور المقاومة، وفي كل دول محور المقاومة.
تخرج من ايران بانطباع عن قوة ايران وواقعية المسؤولين الايرانيين بحتمية الانتصار، لكن المواجهة صعبة وستزداد ولديهم الخطط للتصدي لها، ولذلك عيون المسؤولين الايرانيين لا تنام هذه الايام لا داخلياً ولا خارجياً.