أكثر قراءة هادئة في طروحات انتخابية غير إصلاحية
لم يعد من قيمة فعلية لفكرة النظام النسبي في المشاريع المقترحة لقانون الانتخاب، خاصة بعد التراجع عن الكثير من مقومات اهدافها الحقيقية وهي ضمان صحة التمثيل لكل الفئات السياسية والاهلية الشعبية وفي كل المناطق، والخلاص من اساليب المحادل والبوسطات، ووقف او تخفيف هيمنة قوى سياسية وطائفية محددة على البرلمان والتشريع وبالتالي على الحياة السياسية كلها.
وقد تم افراغ فكرة النسبية من مضمونها اولاً عبر تصغير الدوائر وتفصيلها على مقاسات معينة لقوى معينة، بحيث صار القضاء دائرة هنا، وقضاءين او اربعة اقضية دائرة واحدة هناك، فاختل التوازن في القانون، بحجة مراعاة «هواجس» هذا الطرف او ذاك، هذه الطائفة أو تلك. كما طارت في الصيغ المقترحة النتائج المفترض ان تكون ايجابية وتصحيحية، عبر شروط التأهيل الطائفي والمذهبي، ما قد يحرم قوى وشخصيات جديرة من الوصول الى الندوة البرلمانية.
لا تكفي هواجس الوزير جبران باسيل ومخاوفه على «حقوق المسيحيين»، أو هواجس ومخاوف النائب وليد جنبلاط على الوجود الدرزي، لنسف فكرة إصلاحية يرتقبها اللبنانيون وقواهم المدنية الحية بإصلاح النظام السياسي الطائفي الذي اورثهم كل هذه المشاكل منذ اكثر من ستين سنة، وهي كفيلة بتثبيت وتكريس حقوق المسيحيين لا سيما المناصفة، التي لم ولن يتهرب منها اي طرف سياسي؟ ففكرة النظام الانتخابي لنسبي الشامل وفي دوائر موسعة هي الكفيلة بتصحيح التمثيل الحقيقي وايصال ممثلين حقيقيين للشعب لا فئات سياسية متسلطة على رقاب البلاد والعباد بحجج طائفية ومناطقية ضيقة.
ثم من قال انه ليس للمسلمين الاخرين هواجس ومخاوف، خاصة بعد تجارب السنين الماضية التي عانوا فيها من تسلط ماكان يسمى «المارونية السياسية» فكان ان استبدلت الى حد ما بـ«اسلامية سياسية»ّ؟ فثمة من يرى بين القوى السياسية الاسلامية ان هناك محاولات لإحياء «المارونية السياسية» بصيغة جديدة، وهذه المخاوف عبر عنها صراحة في مجالس مغلقة مسؤولون ونواب ووزراء وقوى شعبية ايضاً، بعد سماعهم خطابات الوزير جبران باسيل، وما تنامى اليهم من مواقف له في لقاءات مغلقة. فهل هناك من يريد العودة بالبلاد الى زمن خوف كل طائفة من الاخرى او هيمنة طائفة على اخرى؟
واذا كان قد تم استرضاء جنبلاط بدائرة صغيرة واحدة فقط على مقاسه وتوقفت مطالبه عند هذا الحد، فإن مطالب الوزير باسيل فاقت القدرة على تلبيتها دفعة واحدة وفي وقت ضيق، ولا يكفي الوصول الى السلطة والى اعلى مركز فيها، لطرح مشاريع واقتراحات وافكار قد تهز صورة العهد وتوحي بأنه مؤيد لمثل هذه المشاريع الطائفية، مع ان سيد العهد بتاريخه المعروف لم يكن يوماً صاحب خطاب طائفي او مذهبي، بل وطني جامع.
وقد طرح «التيار الوطني الحر» مطالب اساسية متعلقة في جوهرها باعادة الاعتبار الى الوضع المسيحي ككل لا تحسين التمثيل النيابي المسيحي فقط، وهو كان صاحب مقولة إدخال تغييرات تصحيحية في بنية النظام السياسي الطائفي بهدف تطويره، إلا أن ربط هذا الاصلاح في بنية النظام بمقترحات انتخابية لا علاقة لها بإصلاح النظام دفعت القوى السياسية الاخرى الى اعتبار ان البحث في ازمة النظام والدولة والمكونات اللبنانية، لا يُطرح بشكل مفاجئ في الوقت الضيق المتبقي على مهلة انتهاء ولاية المجلس النيابي وانتهاء مدة العقد الاستثنائي للمجلس النيابي المخصص فقط وحصراً لإقرار قانون الانتخابات.
وقد سبق ونوقشت افكار كثيرة خلال انعقاد طاولات الحوار، سواء في بعبدا او عين التينة، بهدف إصلاح النظام، وطرحت مقترحات عديدة وكان النظام النسبي الكامل لقانون الانتخاب احد أهم الطروحات بهذا الاتجاه والمتوافق عليه من قبل كل الاطراف المشاركة في الحوار، فلماذا الانقلاب عليه الان بطروحات تفرغه من مضمونه، وتؤسس لخلافات عميقة تتعلق بتعديل الدستور لمصلحة فئة واحدة سياسية وطائفية، بينما المطلوب وحسب الرؤساء الثلاثة الذين تعاقبوا على رئاسة الجمهورية منذ اتفاق الطائف، إدخال تعديلات شاملة وجذرية على بعض مواد دستور الطائف تناقش لاحقاً في ظروف واوضاع غير متشنجة، ليستقيم تنفيذه بآليات دستورية سليمة وصحيحة، وبما لا يمس جوهره بالمناصفة وتوازن السلطات وتعاونها؟ واذا كانت الظروف السياسية السابقة قد فرضت ممارسة خاطئة وتطبيقاً منقوصاً لاتفاق الطائف ودستوره، فهذا لا يبرر للاخرين الوقوع في المحظور بإعادة الامور الى مراحل ما قبل الطائف من تكريس هيمنة فريق أو طائفة على مقدرات البلاد.
وقد ظهر من وراء ما يُطرح من مشاريع قوانين انتخابية طائفية حسب القياس، انها طروحات غير إصلاحية في الجوهر، وان ازمة النظام باتت مترسخة اكثر، وقد يصعب الخروج منها اذا استمرت الطروحات الطائفية واستمر التهرب من تطبيق الطائف كما نصت اهم بنوده: الخروج من الحالة الطائفية بقانون انتخابي خارج القيد الطائفي وانشاء مجلس شيوخ للطوائف محصور ومحدد الصلاحيات بما يتعلق بأمور الطوائف لا التشريعات العادية المتعلقة بإدارة الدولة ومصالحها ومصالح الناس.