تضمّن مشروع القانون الرامي إلى «معالجة الإشغال غير القانوني للأملاك العمومية البحرية» مواد ضريبية ضمن مساعي تمويل مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب. وبدلاً من أن يُشكّل مشروع القانون مناسبة لاسترداد الملك العام عبر معالجة صارمة للإشغالات غير القانونية تضمن حق العموم في التمتع بملكهم وتؤمن إيرادات كبيرة لموازنة الدولة، يؤكّد قانونيون أنه ليس إلا «تسوية» تراعي المُعتدين على الملك العام وتُنشئ لهم حقاً في التعويض، فضلاً عن «مجاملتهم» في الغرامات
قبل أكثر من عامين، في 19 أيار عام 2015، أقرّت لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه اقتراح قانون لـ «معالجة الإشغال غير القانوني للأملاك العمومية البحرية». منذذاك بقي المشروع في الأدراج قبل أن يخرج الى «النور» أخيراً وتُدرج مواده في مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب. ويوضح النائب غسان مخيبر أن الاقتراح أُدرج ضمن مشروع السلسلة كشق يتعلّق بتمويلها من جهة، وبالأحكام التنظيمية لواقع التعديات على الملك العام من جهة أخرى.
المواد «المُنتشلة؛ من مشروع اقتراح قانون «معالجة الأشغال» لا تختلف كثيراً عن تلك التي صاغتها اللجنة الفرعية المُنبثقة عن لجنة الأشغال العامة والنقل عام 2015. في المبدأ، المضمون المتعلّق بكيفية معالجة الإشغالات عموماً هو نفسه، فيما اختلفت طريقة احتساب الغرامات المالية وصياغة المواد، فضلاً عن بعض الأمور الشكلية المُتعلقة بالمهل المعطاة للشاغل غير القانوني لتسوية وضعه (غُيِّرت من مهلة ستة أشهر من تاريخ العمل بالقانون إلى ثلاثة أشهر).
«الأخبار» عرضت مواد المشروع على قانونيين مُطلعين على ملف الأملاك العمومية البحرية، فأجمع هؤلاء على أن هذه المواد تعترف للمعتدي بحق التعويض وتُغيّب الرادع الجدي القانوني وتُقلّص الغرامات إلى أدنى مُستوى (راجع ملف النواب يتآمرون على حقوق ناخبيهم: البحر ليس مُلكاً للناس، 21 أيار 2015 http://www.al-akhbar.com/taxonomy/term/5295).
مراعاة في دفع الغرامات
ويؤكد عدد من النواب ممن صاغوا المشروع في بداياته أن الإيرادات التي سيحققها هذا القانون ليست على قدر التوقعات، وبالتالي على المواطنين «أن لا يرفعوا سقف توقعاتهم»، على حد تعبير أحدهم.
ويذكر أن نقابة أصحاب المنتجعات السياحية الخاصة كانت حاضرة لدى صياغة المشروع، وهدّدت بالإقفال وإلحاق الضرر بمئات العائلات والموظفين في حال تكبيد أصحاب المنتجعات غرامات عالية، وتمكنّت بفعل ذلك من الضغط على مُعدّي المشروع الذي عمدوا إلى «المُحاباة» في الغرامات.
وبحسب مواد مشروع القانون الحالي، كما تم إدراجه، فإن الغرامة المتوجبة تُحسب كالتالي: البدل السنوي للمساحة المشغولة × نسب المضاعفة × عدد السنين) + (فائدة سنوية بمقدار 7.5% اعتبارا من 1/1/1994). وهذه الصيغة هي نفسها التي كانت قد وضعتها اللجنة المُنبثقة عن لجنة الاشغال الرئيسية قبل أن تقوم الأخيرة وقتها بتعديل هذه المادة عبر إلغاء إضافة الفوائد. وكانت الصيغة وقتها كالتالي: الغرامة المتوجبة = البدل السنوي للمساحة المشغولة × نسب المضاعفة × عدد السنين (21 عاماً). وانسحبت المراعاة على طريقة تسديد هذه المبالغ، إذ يُعفى الشاغل المخالف (عن الفترة السابقة لتاريخ 1/1/1994) بنسبة 20% من الغرامات المتوجبة عليه «عند تسديده نقداً». كما يحق للمخالف أن يطلب خلال مهلة شهر من تاريخ صدور مرسوم الإشغال المؤقت، تقسيط المبالغ المتوجبة لمدة خمس سنوات على خمسة أو عشرة أقساط متساوية، يستحق القسط الأول منها خلال الشهر الأول من تاريخ الموافقة على التقسيط. وفي حال التأخر في دفع أي قسط، تستحق جميع الأقساط الباقية مرة واحدة.
وفي ما يتعلّق بالغرامات الواجب تسديدها، نصّ مشروع القانون على أنه إذا كان شاغل الأملاك العامة البحرية لا يملك عقاراً متاخماً أو غير حائز حق إيجار واستثمار، تضع الإدارة يدها على الأملاك العامة المشغولة ويجرى إخلاؤها، «ما لم يُثبت الشاغل خلال ستة أشهر بأنه تملّك العقار أو العقارات المتاخمة أو استحصل على عقد إيجار أو استثمار عليها كلياً أو جزئياً». وفي رأي مصدر قضائي أن هذا البند يتضمن كثيراً من الخطورة «لأنه يكفي استثمار سهم واحد فقط من العقار المتاخم لتشكيل الاستثمار الجزئي»!
تغييب قانون العقوبات والإبقاء على المُنشآت الدائمة
يرى المحامي إيلي خطار أن المُقاربة الأساسية لهذا القانون تنطلق من اعتبار إشغال الأملاك العامة البحرية «مُناسبة لاقتناص مزيد من المال العام عوضاً عن الحفاظ على المُلك العام البحري عن طريق تحريرها من كل إشغال وعدم إعطائه طابع الشرعية». ورغم أن القانون يُصوّر أن هدفه الأسمى هو معالجة التعديات ونزع الحقوق التي اكتسبها المعتدون خلال سنوات اعتدائهم، إلا أنه «تضمّن نصوصاً تُبيّن أن الشاغل سيُلزم الدولة تجديد مراسيم الإشغال إلى ما لا نهاية، وإذا قررت الدولة عدم التجديد فإنه سيُقاضيها ويُطالبها بالتعويض»، وفق المصدر القضائي نفسه. وهذا الكلام يستند إلى الفقرة التالية: «تُسدّد الرسوم عن كل سنة خلال الشهر الأول من السنة». بمعنى آخر، فإنّ الدولة مُلزمة تمديد الإشغال المؤقت طالما أن الشاغل يسدّد الرسوم. ويُشير المصدر إلى الفقرة المُتعلقة باقتضاء إصدار مراسيم إشغال بصورة سنوية، أي انه يقتضي تجديد الإشغال سنوياً إلى ما لا نهاية، «ما يجعل المستثمر يكتسب الحق بالتعويض إذا رغبت الإدارة (أي الدولة) بإنهاء الإشغال».
المشروع، أيضاً، يُغّيب الرادع القانوني الجدي الذي يجبر المخالفين على دفع الغرامات وتسوية أوضاعهم. فهو، بحسب قانونيين، لم يلحظ قانون العقوبات الذي يستطيع أن يردع المُعتدين من دون أي صيغة جديدة أو استحداث قانون. كما أنه أبقى على المُنشآت الدائمة على الأملاك العامة البحرية «التي تعد من الملحقات المكملة للإنشاءات المقامة على العقار الخاص مثل التجهيزات الرياضية والتنظيمية والترفيهية التي يجب إيجادها قريبة من الشاطئ». وقد جرت إضافة «الكابينات والمطاعم» إليها شرط أن تتحقق فيها المعايير التالية: الحد الأقصى للاستثمار السطحي 15% من مساحة الأملاك العامة البحرية التي يُسمح بإشغالها، والحد الأقصى للاستثمار العام 20%، على أن يكون العلو الأقصى للبناء فوق مستوى الأملاك العامة البحرية ستة أمتار.
جمعية «نحن» اعتبرت أن مشروع القانون «يُكرّس انهيار الدولة، ويُضحي بالتراث، ويُشرّع التعديات مقابل رسوم سنوية زهيدة». وأبرز ملاحظات الجمعية يتعلّق باعتماد نسبة رسوم إشغال سنوية بـ 2% فقط، «وهي نسبة متدنية جداً بالمقارنة مع النسبة الأدنى المعتمدة لإيجار الأملاك الخاصة»، لافتة إلى أنه لا بد من اعتماد رسوم لا تقلّ عن 6% (أي نسبة إيجار الأملاك الخاصة)، في أي مشروع قانون يعيد النظر في رسوم إشغال الأملاك العامة. ووصفت المشروع بأنه «يضرب هيبة الدولة، ولا يؤمن حقوق المواطنين، ولا يؤمّن حتى المردود المالي الذي يُحاول البعض تبرير وجود المشروع من خلاله».
4 ملايين و900 ألف متر
هي المساحة المُقدّرة من الشاطئ التي تشغلها مؤسسات وشركات وأفراد، وفق آخر تقرير رسمي أعدّته وزارة الأشغال العامة عام 2012. حينها، جرى إحصاء أكثر من 1141 تعدّياً على الأملاك العامّة البحرية، من بينها 73 تعدّياً «مرخّصاً» فقط. ويُظهر التقرير أن المعتدين يحتلون اليوم نحو 4 ملايين و900 ألف متر مربع من الشاطئ، تقدّر قيمتها بمليارات الدولارات.