ما كان مؤتمر الرياض للمعارضة السورية ليحظى بخلاصة مكثّفة أكثر فصاحة وحصافة من كلام وزير الخارجية السعودي عادل الجُبير عن حتمية رحيل بشار الأسد، إن من خلال «الحل السياسي» الذي يشكّل عنواناً راهناً لكل تحرك المعنيين بالنكبة السورية، أو من خلال «حل عسكري» لا مهرب منه.
سبق للوزير الجُبير أن قال الكلام نفسه في أكثر من مناسبة، أبرزها في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، في آخر زيارة له إلى موسكو.. وكان كلامه يومها واضحاً وحاسماً بقدر ما كان كلام لافروف المعاكس واضحاً بدوره لجهة الإصرار على التمسك بدعم الطاغية المتمترس في دمشق.
لكن أهمية تكرار الموقف بالأمس من الرياض، مُضاعفة تبعاً لاعتبارين أساسيين. الأول، لتأكيده الالتزام المكين بالعلّة الأولى لثورة السوريين بعد أربع سنوات ونحو عشرة أشهر على انطلاقها وبما يعيد الاعتبار إليها والى تضحياتها الهائلة مثلما، يعيد الاعتبار الى الأساس الذي هو الانتهاء من سلطة المافيا الأسدية، وليس الانخراط فقط في قصة محاربة الإرهاب، أو السماح باستمرار استخدامها كستار يحجب ما لا يُحجب من إجرام وفظاعات، أو كغطاء لتغطية مآرب وأهداف لا تختلف في خواتيمها عن أهداف ذلك الإرهاب، إن لم تكن أسوأ وأنحس وأولها إتمام نكبة شعب بأكلمه وتدمير بلده تماماً!
الاعتبار الآخر الذي يعطي الموقف الرسمي السعودي أهمية استثنائية مضاعفة، هو أنه يتوّج اجتماعاً غير مسبوق للمعارضة عشية التوجّه الى استئناف «مؤتمر فيينا» في نيويورك في الثامن عشر من الجاري، والذي يُقال، إن الخلاف على «مصير الأسد» لا يزال العقبة الكأداء أمام «نجاحه التام». بحيث إن المملكة تضع سقفاً وتقول بالفم الملآن، إنها وغالبية شعب سوريا والعرب وأكثرية المسلمين وكل حلف الضمائر الرافض للسكوت عن هذه النكبة الفظيعة، لن ينزلوا تحته. أيًّا تكن سيبة الإجرام المضاد مرتفعة. وأيًّا تكن الطموحات والمشاريع و»العواصف» الروسية وغير الروسية، سارحة على مداها.
والواضح أن الوزير الجُبير لا ينطق عن هوى إنما يعرف تماماً ماذا يقول. ويعرف تماماً كيف يعبّر عن موقفه بوضوح «ليزري» لا يحتمل أي سوء تفسير. ويعرف فوق ذلك، حجم التحدي الذي يشكّله المحور المضاد ومشاريع أصحابه. ويكفيه في ذلك، أنه في المكان الصحّ في الجغرافيا والتاريخ ومكارم الأخلاق والمنطق السليم بكل أسسه وقواعده ومبادئه. وهذه في أولها تقول إن هذه النكبة تجري على أرض عربية، وليس في إيران ولا في روسيا. وتطال شعباً عربياً خرج منادياً برفض استمرار الطغيان والاستبداد وسلطات النهب والسلب وهتك الكرامات وممارسات القتل والسحل والنفي والتعذيب والقمع، ولم يخرج للإرهاب إنما لمحاربة ذلك الإرهاب!
.. عادل الجُبير، وزير خارجية الضمير العربي والإسلامي بقدر ما هو وزير خارجية دولته، قبلة العرب والمسلمين الأولى والأخيرة!