IMLebanon

التمسُّك بـ”الخط الاستراتيجي” تكتي أم استراتيجي؟

لا يشكّ أحد في وجود مصالح محلية فئوية تدفع حلفاء إيران في لبنان إلى إبقاء دولته معطّلة لجعلها بنظامها الحالي غير “عيِّيشة”، الأمر الذي يجبر الجميع على البحث عن نظام آخر. ولا يشكّ أحد أيضاً في وجود مصالح فئوية تدفع حلفاء السعودية إلى الاشتراك في تعطيل الدولة بعدما صار لأخصامهم نفوذ مهم في غالبية مؤسساتها، وذلك إلى حين حصول تطوُّرات إقليمية – دولية وخصوصاً في سوريا والولايات المتحدة تسمح لهم بإحياء دولة الطائف.

لكن لا يشكّ أحد أيضاً في أن المصالح المتناقضة المشار إليها ليست أولوية عند الرياض وطهران لأن تحقيقها يصبح مؤكداً في حال نجحت كل منهما في تحقيق أهدافها الاستراتيجية. وفي انتظار ذلك تستمر حاجتهما معاً إلى “ساحة” لبنان وإلى حلفائهما فيها وخصوصاً إذا شعرتا أن التطورات في المنطقة (سوريا) لا تخدم مصالحهما، وأن الحاجة إلى “حماوة” في الداخل اللبناني صارت ماسة لمواجهتها.

وفي هذا المجال تفيد المعلومات والمعطيات المتوافرة كما تصريحات المسؤولين الكبار في السعودية وإيران أن “الهلال” الإقليمي (الشيعي) والذي يضم طهران وبغداد ودمشق وبيروت و”فلسطين”، هو أحد أبرز أسباب استمرار الحرب في سوريا، والحرب المذهبية في المنطقة، والصراع بين أميركا وإيران وبين أميركا وروسيا. فالمسؤولون الإيرانيون متمسكون بإقامته على رغم الضربات القوية وربما المُهلِكة التي تلقاها في العراق بعد سيطرة “داعش” على غالبية المنطقة السنّية فيه، وعلى رغم فقدان نظام الأسد سيطرته على 80 في المئة على الأقل من جغرافية سوريا، وعلى رغم ابتعاد “فلسطين” “حماس” و”الجهاد” عنهم، وفشل مشروع السيطرة على اليمن المستمرَّة الحرب فيه. والمسؤولون السعوديون وآخرون من دول عربية عدة يرفضون “الهلال” المذكور لأنه يضعهم، وخصوصاً بعد الاتفاق النووي – الإيراني مع مجموعة الـ5+1 وأبرز دولها أميركا، تحت سيطرة إيران في المنطقة. وهم يستميتون للقضاء عليه بمساعدة حليفتهم الأولى أميركا التي يحاولون إقناعها بأن خطر إيران على مصالحها مستمر جرّاء تمسُّكها بمشروعها الإقليمي وعدائها لها وللغرب عموماً.

لماذا الإصرار الإيراني على الهلال؟

لتأمين نفوذ واسع في المنطقة أو بالأحرى لقيادتها. وذلك يحقّقه أمران. الأول احتفاظ إيران بالسيطرة على “الخط الاستراتيجي” الموصل بينها وبين شرق المتوسط واستمرارها على حدود إسرائيل. والثاني احتفاظ إيران بالقدرة على التواصل مع “حزب الله” حليفها الإقليمي الأهم في المنطقة بل على توفير الإمدادات المتنوعة له. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل أن الإصرار المشار إليه نهائي أم يمكن التخلِّي عنه ولكن مع أثمان تقبضها إيران، من أهمها المحافظة على “الحزب” وعلى دوره و”شعبه” في لبنان؟ والسؤال الآخر المنبثق منه هو: ألا يصيب قطع “الخط الاستراتيجي” حليفها اللبناني ودور “شعبه” في نظام بلاده بشيء من الضعف أو الخطر مستقبلاً؟ والسؤال الثالث الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يمكن أن تحتفظ إيران بـ”الخط الاستراتيجي” في حال عجز نظام سوريا عن الاستمرار، وعجز رأسه الأسد عن الاحتفاظ بالسلطة، وسيطرة أعدائهما على سوريا كلها وتحوُّل الحكم فيها للغالبية السنّية، أو تقسيم سوريا رسمياً أو عبر فيديرالية أو لامركزية لا تقنع أحداً بوحدتها؟ وهل يمكن أن تحتفظ به في حال عجزت هي و”حزب الله” وميليشياتها العراقية والأفغانية وغيرهما، وروسيا المتدخِّلة عسكرياً وفي صورة مباشرة في حرب سوريا، عن إلحاق الهزيمة بـ”داعش” وإرهابه، وعن فرض تسوية سياسية تحفظ للأسد وشعبه حصة في الحكم جغرافية أو سياسية؟ الأجوبة عن أسئلة كهذه ليست سهلة. لكن ما يمكن الإشارة إليه هو أن إيران تعشق “التفاوض على الحامي”، وأنها تستطيع أن تحتفظ بـ”الخط الاستراتيجي” على رغم خسارة الأسد معركته الأساسية بطريقة من اثنتين. الأولى السيطرة على كامل حمص واستعادة تدمر والسيطرة على الصحراء التي توصلها بالعراق حليف إيران. أما الثانية فهي، وفي حال التقسيم المقنّع أو الرسمي استعمال البحر أو الجوّ بين طهران واللاذقية والبر بين الأخيرة و”حزب الله” عبر حمص – القصير – البقاع الشمالي لتأمين استمرار الإمداد لـ”حزبها”. علماً أن الخط الثاني لن يكون حراً في صورة مطلقة جرّاء القدرة على مراقبته بحراً وجواً. في أي حال لم تبلغ الأوضاع في سوريا بل في المنطقة هذه المرحلة بعد.