IMLebanon

بعدما ضاعت فرصة حكومة أديب… ماذا عن الحريري وخياراته؟

 

عشية مجيء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان في السادس من شباط الماضي وبينما كان الجميع منهمكاً بالتحضير للزيارة والاحتفاء فيها كان ثمة من ينصح بعدم الذهاب بعيداً في التفاؤل، ليس انتقاصاً من جهود الدولة الاوروبية الأقرب إلى لبنان والتي تبحث عن موطئ قدم لها في المنطقة، ويهمها استرضاء شريحة من اللبنانيين ممن يشكلون كتلة اساسية ناخبة في فرنسا، وانما ربطاً بواقعين مهمين وهما السياسة الاميركية وعلاقة المملكة السعودية مع لبنان بشقها السياسي.

 

كانت المؤشرات توضحت لمسؤول سياسي مخضرم أن الاميركيين غير راضين عن خطوات ماكرون. قالتها السفيرة الاميركية في لبنان دورثي شيا صراحة في اعقاب طرح المبادرة الفرنسية “المقترح الفرنسي يخص الفرنسيين وحدهم”، وهو ما اعتبره آنذاك بمثابة اشارة عدم رضى اميركية عن الجهود الفرنسية.

 

وبعيدا من النوايا الغربية وذاك التنافس القائم على ساحة لبنان فان اللبنانيين لا يساعدون انفسهم للخروج من المأزق. ويعتبر أن لبنان أضاع عليه فرصة تشكيل حكومة برئاسة السفير مصطفى أديب ولذا فهو دخل في المجهول اليوم. كانت كل الجهود تصب في هذا الاتجاه، المبادرة الفرنسية في اوجها وزخمها. واللبنانيون منفتحون على وجود مثل هذه الشخصية على رأس الحكومة، يومها بدا التنافس جلياً بين رئيسي الحكومة السابقين سعد الحريري ونجيب ميقاتي ليظهر كل واحد منهما على أنه “أم الصبي” ومن يمون عليه، ويمنحه تعليمته. منعه الحريري من لقاء رؤساء الكتل النيابية وتولى ميقاتي التواصل بدلاً منه مع اطراف سياسية بدأ يجوجل الاسماء معها، بينما اجبروا الرئيس المكلف على الاقامة الجبرية في فندق ومنع عليه التواصل إلا من يرتضون اليه سبيلاً على اعتبار انه صنيعتهم.

 

كان رؤساء الحكومات السابقون في اجتماع يستعرضون الاسماء الممكنة للإختيار من بينها رئيساً مكلفاً للحكومة. جردوا كل الشخصيات السنية المؤهلة من وجهة نظرهم، من أقصى البقاع الى اقصى الجنوب، وفي كل مرة كانت تمر تسمية شخص معين يصار الى استعراض حسناته وسيئاته الى ان قال الحريري لمجالسيه “لدي اسم وآمل ان ينال اعجابكم. انه مصطفى أديب سفيرنا في المانيا”. هنا أسند ميقاتي بثقله على المقعد وقد بدت عليه علامات الارتياح لترشيح من كان مديراً لمكتبه. طلب الحريري الا يصار الى اعلان الاسم في الاعلام وان يتبلغ اديب من خلاله. وبالفعل اتصل الوزير السابق غطاس خوري وطلب من أديب باسم الحريري العودة الى لبنان فوراً. الزامية فحص “كورونا” والانتظار لصدور النتيجة بعد 72 ساعة جعلت عودته صعبة لولا ان خوري تولى تسهيل الامر بالاتفاق مع شركة الطيران. وصل أديب وكان في انتظاره سيارة وحرس اقلوه الى بيت الوسط مباشرة حيث ابلغه الحريري بأمر تكليفه وأملى عليه الخطوات التي ستلي. ومن هناك توجه الى الفندق حيث تمّ الحجز له مسبقاً. تم تكليف أديب وبدأت رحلة الاملاءات. شكا اديب حجم الضغوطات عليه لميقاتي الذي حاول ثنيه عن الاعتذار. ويوم زار بعبدا حاملاً المغلف الاسود ظن الجميع ان اديب يحمل مسودة حكومته لكنه كان كتاب اعتذار اراد تقديمه لولا اتصال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون برئيس الجمهورية في لحظتها واستمهال أديب ساعات قبل الاعتذار. هنا كان اديب يدور في حلقة مفرغة وسط ممنوعات تتزايد وتحد من قدرته على التأليف وكان آخرها اعلان الحريري الموافقة على منح الطائفة الشيعية حقيبة المالية، شرط ان يسمي بنفسه اسم الوزير المرشح. وصودف ذلك مع اعلان غير بريء عن العقوبات الاميركية بحق الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس. رفع الحريري سقف مطالبه، تعقد التشكيل. غالب أحد رؤساء الحكومات السابقين شعور بوجود نية لدفع الرئيس المكلف باتجاه الاعتذار. وفي آخر اجتماع له مع الخليلين قالها اديب صراحة ان الضغوط كانت كبيرة وأبدى أسفه لعدم تمكنه من التشكيل محملاً الحاج حسين الخليل تحيته وتقديره الى السيد حسن نصرالله.

 

منذ استقالته في السابع عشر من تشرين 2019 كان الحريري لا يتوقف عن الاعلان انه لن يكون مرشحاً لرئاسة الحكومة في عهد ميشال عون، الى ان اعلن فجأة ومن دون علم الكثيرين ترشيحه لرئاسة الحكومة تحت سقف المبادرة الفرنسية وقال ما حرفيته: “انا مرشح طبيعي لرئاسة الحكومة من دون جميلة أحد”. هل سئل الحريري يومها لماذا ترشحت وبناء على اية أسس وما الذي تغير كي يتراجع عن موقفه؟

 

ومجرد ان أعلن ترشيحه بادر الى زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون ثم ارسل كتلته النيابية تستفتي القوى السياسية بشأن خطوته، اتفق مع رئيس مجلس النواب مسبقاً على منح حقيبة المالية للثنائي والتقى المعاون السياسي في “حزب الله” الحاج حسين الخليل، وعقد اتفاقاً مع رئيس الحزب “الاشتراكي” وليد جنبلاط، حتى انه اتصل بالنائب أسعد حردان للوقوف على خاطره، ثم صار يتحدث عن الدستور والصلاحيات الدستورية؟ أي صلاحيات دستورية تلك التي يقصدها الحريري؟ وكيف ان منطق التفاهم ذاته ينطبق على كل هؤلاء ولا ينطبق على رئيس “التيار الوطني الحر”؟ سلوك يعارضه حلفاء الحريري قبل الخصوم ممن لا يرضون بثنائية المعايير لديه والتي من شأنها ان تضيع فرصة تشكيل الحكومة مجدداً.

 

استعاض الحريري عن “التيار” برئيس الجمهورية وخلال المفاوضات حول الاسماء والحقائب منح الحريري حقائب العدل والداخلية والطاقة لعون وفق ما افصحت المشاورات بينهما، لكن المعايير تغيرت مع زيارة السفيرة الاميركية الى بيت الوسط تبلغه بصدور العقوبات على جبران باسيل في غضون ساعات، وتنصحه بالتروي لان الادارة الاميركية لن ترضى بمثل هذا التوزيع للحقائب. رهان الحريري على العقوبات جعله يرفع شروطه أو انها الخشية من ان تطاوله مثل هذه العقوبات او المقربين منه. لا يجد الحريري مؤيدين لسلوكه التفاوضي بشأن الحكومة ومنطقه في مقاربة الامور ورغم ذلك يستمر في مساعيه ولا يدرج الاعتذار في سياق الاحتمالات الواردة.

 

والى ان تتسلم الادارة الجديدة ثمة سباق محموم بين الفرنسيين والاميركيين يجعل فرنسا تبذل قصارى جهدها لتسجيل انتصارها في لبنان، ولذا ليس بعيداً ان يمدد الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل زيارته في محاولة لازالة العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة، والتي من بينها انقطاع التواصل بين الحريري وباسيل فهل يبادر الفرنسي بهذا الاتجاه، خصوصاً ان هذه العلاقة احتلت حيزاً من النقاش خلال زيارة دوريل لباسيل امس؟