تقول الرواية إنّ رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب سيحمل يوم الاثنين المقبل إلى قصر بعبدا، مغلفين. في أحدهما تشكليته الحكومية، وفي ثانيهما خطاب اعتذاره. يلتزم الرجل بمهلة الخمسة عشر يوماً التي حددها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للتأليف، والتي بدأت وفق ساعة أديب، منذ لحظة تسميته رئيساً للحكومة وليس منذ لحظة انطلاقه في المشاورات.
وهذا ما دفع بعض القوى السياسية التي تبقي خطوط تواصلها مع باريس “شغّالة” إلى توجيه النصائح إلى رئيس الحكومة المكلف، عبر “المفوض السامي” الفرنسي السفير السابق ايمانويل بون الذي يتولى الإشراف على عملية التأليف، بضرورة تدوير الزوايا، وعدم تحويل الاختبار الجدي الأول بين أديب ورئيس الجمهورية ميشال عون حين يلتقيه حاملاً مسودة حكومته، إلى صدام فمواجهة فاعتذار. تستحق دقة المرحلة وخطورتها بعض الليونة والأخذ والردّ قبل وضع النقاط على الحروف. فقد لا تتوافر مجدداً عناصر الفرصة المتاحة راهناً.
من هنا يتردد عن احتمال حصول لقاء بين الرجلين خلال الأيام المقبلة لتنقيح شبه التصور الذي وضعه رئيس الحكومة المكلف قبل حلول “اليوم الكبير” المحدد بيوم الاثنين المقبل، خصوصاً وأنّ أديب وضع شبه مسودة لحكومته وبات بإمكانه مناقشة القوى السياسية على قاعدتها لوضع صيغة نهائية قادرة على عبور معمودية ثقة مجلس النواب.
المفارقة، أنّ رئيس الحكومة المكلف يقفل باب جناحه في فندق “لاهويا” على نفسه. يرفض التشاور مع أي من القوى السياسية. وحدهما طه ميقاتي وايمانويل بون، شريكاه في التأليف. لا بل يذهب أحد النواب المطلعين إلى حدّ الجزم بأنّ عملية التأليف تحصل في قلب العاصمة الفرنسية لا اللبنانية.
يكشف المتابعون عن اتصالات يومية يقوم بها السفير الفرنسي السابق ببعض القوى اللبنانية، ويتردد أيضاً أنّ بون يستعرض مع من يتواصل معهم عبر الهاتف رزمة من الترشيحات والأسماء ومشاريع التوزير. لكن هذه الخطوط المفتوحة بين باريس وبيروت لم تحرك بعد مياه التأليف الراكدة.
يسود الاعتقاد لدى البعض أنّ أديب قد يضع سلة أسماء للتوزير وقد يعود للنقاش حولها مع القوى السياسية للاتفاق على الصيغة النهائية. قد يستقيم هذا الوضع مع الثنائي الشيعي مثلاً أو حتى مع الشركاء السنّة وتحديداً رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ولكن كيف سيستوي الحال مع الشريك المسيحي وتحديداً “التيار الوطني الحر” اذا كان التواصل مقطوعاً مع رئيسه جبران باسيل؟
في الواقع، فإنّ لـ”التيار الوطني الحر” ولرئيسه قصة مختلفة، ولو أنّ أديب لم يلتق الخليلين إلا مرة واحدة حتى الآن، وينأى بنفسه عن التنسيق المباشر مع الحريري، كما أبلغ الأخير الثنائي الشيعي، ولكن مع باسيل الاعتبارات مختلفة. حسم “التيار الوطني الحر” استراتيجيته في التعامل مع هذه الحكومة: التسهيل “كارت أبيض” لا عودة عنه، حتى لو لم يقتنع العونيون بشكل الحكومة وتركيبتها، لن يسمح باتهامه بالعرقلة وتحمّل تبعات نسف المبادرة الفرنسية. يكفيه أنّ التوقيع الذي لا يزال بيد رئيس الجمهورية يتيح المحاولة الأخيرة، وإلا فإلى مجلس النواب در.
يجزم نائب من “تكتل لبنان القوي” بأنّ باسيل لا يمارس أي نوع من المناورات وهو جاد في انكفائه إلى الخلف ليترك كامل الحرية أمام رئيس الحكومة المكلف ليفعل ما يشاء وكيفما شاء. يقول إنّ “المرحلة استثنائية بكل المعايير وينبغي أن تكون خطواتنا استثنائية أيضاً”.
وبناء عليه، يمكن تلخيص العراقيل التي تعتري التأليف على الشكل الآتي:
– خلاف حول هوية الحكومة. اذ بينما يصرّ الرئيس المكلف على أن تكون من الاختصاصيين، يطالب الثنائي الشيعي بتطعيمها ببعض الوجوه السياسية منعاً لانزلاقها نحو الفوضى عند أول مطب كما حصل مع حكومة حسان دياب التي انفرط عقد وزرائها عند أول هزة جدية. ولذا ثمة اصرار من الرئيس نبيه بري و”حزب الله” على تقوية “مفاصل” حكومة مصطفى أديب ببعض الوجوه السياسية من دون أن تكون هذه الوجوه استفزازية أو غير مرغوبة من الرأي العام.
– خلاف حول عديدها. وقد صار معروفاً أنّ أديب يريدها مصغرة من 14 وزيراً فيما الثنائي الشيعي يحبّذها أكبر أي أن تكون أقله من عشرين وزيراً لكي لا يلقى على عاتق كل وزير أكثر من حقيبة فيفشل في المجالين، أما رئيس الجمهورية فيميل الى أن يكون عديدها من 24 وزيراً.
– خلاف حول آلية التأليف. يعتقد رئيس الحكومة المكلف أنّ بامكانه أن يكتب وحده مسودته الحكومية بمعزل عن مواقف القوى السياسية، فيسقط الأسماء على ما يريد من حقائب، ولهذا أبلغ الثنائي الشيعي أنّه لا يمانع في اجراء المداورة أو بمعنى آخر غير ملزم بإبقاء حقيبة المال للشيعة الا اذا وقعت يداه على سيرة ذاتية لشخصية شيعية قد تتناسب مؤهلاتها مع متطلبات الحقيبة. لكن ردّ رئيس مجلس النواب كان حاسماً: التوقيع الرابع الذي تمثله وزارة المال هو تعبير عن شراكة ميثاقية في السلطة التنفيذية ولا مجال بالتالي للتخلي عنه. كما سئل أديب عن طبيعة المداورة المطروحة: هل هي محصورة بالحقائب السيادية فقط؟ وهل هي موضعية أم هناك محاولة جدية لكسر هذا العرف في كل الحكومات اللاحقة؟ ولماذا لا تتوسع الى المواقع الأمنية والقضائية والادارية الأساسية اذا كانت طرحاً اصلاحياً؟ أم أنّ المطلوب هو نزع هذه الورقة من يد الثنائي الشعيي لا أكثر؟
اذاً، مقابل الحراك العابر للمتوسط الذي يجريه أديب مع السفير بون، لا تزال مشاورات التأليف في بعدها اللبناني، عالقة محلها. أي اختراق قد يحصل، سيجرّ حكماً بقية حجارة الدومينو. فمن سينقر الحدفة الأولى؟