مفارقتان سلبيتان في السياسة حَكَمتا اتصالات تشكيل الحكومة وأدتا الى ما كان متوقعاً، إعتذار الرئيس المكلف مصطفى اديب. المفارقة الاولى الاعتراض على حصر رؤساء الحكومة السابقين التشكيل بهما عبر تسمية مصطفى أديب وحصر تسمية الوزراء وتوزيع الحقائب بهم، عبر اديب، مع ما يمثلون من خيارات سياسياً واقتصادياً ومالياً ونقدياً هي محل إعتراض قوى وتيارات ونقابات كثيرة، واستبعاد تمثيل الاخرين. والمفارقة الثانية، الاعتراض على مسعى الثنائي الشيعي المشاركة في السلطة عبر التوقيع الثالث، مع أن الطائفة تحتل السلطة الثانية. عدا محاولات تغييب دور رئيس الجمهورية والكتل الأخرى. ما طرح تلقائياً السؤال عن المشاركة المسيحية، في ظل الصلاحيات الدستورية المحدودة لرئيس الجمهورية.
الاهم بنظر المعترضين على أداء الرئيس اديب، انه قيّدَ نفسه بشروط رؤساء الحكومات، برغم التوضيحات التي صدرت عن الفرنسيين ولاحقاً عن وليد جنبلاط بأن مبادرة الرئيس ماكرون لا تتضمن لا مداورة ولا رفض حصر اي حقيبة بأي طائفة. كما أن الثنائي الشيعي– حسب مصادره- رفض في آخر لقاء مع اديب مساء الجمعة الماضي، «إلغاء نفسه من التأليف بعدما ألغى نفسه من التكليف، ووافق على من اقترحه الحريري من بين ثلاثة أسماء. وتنازل عن الثلث الضامن، ما يعني تنازلاً عن دور الأكثرية النيابية، ومع ذلك مطلوب منه أن يُعطي ثقة بالحكومة لم يشارك في تسمية وزراءه فيها».
إعتذر أديب لتعذر تجاوز من سمّاه. ما يعني حُكماً تعويم حكومة الرئيس حسان دياب حتى انتهاء عملية تكليف رئيس جديد للحكومة وتشكيل حكومة جديدة، ويتم الحديث عن تعويم «حكومة مواجهة التحديات» لمواجهة اي امر طاريء، ولو اضطرت إلى عقد جلسات طارئة طالما أن البلد في حالة طواريء صحية واقتصادية ومالية واخيراً امنية بعد إستفاقة خلاياالارهاب النائمة.
وتفيد مصادر متابعة لما جرى بعد تجربة مصطفى اديب، انه بعد إعتذار الرئيس اديب عن تشكيل الحكومة للأسباب المعروفة، انكفأت القوى السياسية لمراجعة حساباتها وتحديد خياراتها للمرحلة المقبلة، حيث من المفروض العودة الى الاستشارات النيابية الملزمة بعد فترة قصيرة لتكليف شخصية اخرى تشكيل الحكومة. وستكون تجربة مصطفى اديب محل تقييم سياسي لتحديد الثغرات التي إعترتها، وتحديد خيارات اخرى لا تنسف المبادرة الفرنسية نهائياً طالما ان كل القوى السياسية اعلنت تمسكها بها.
وتتوقع المصادر ان يبادر الرئيس ماكرون الى إجراء إتصالات بالقوى الإقليمية والدولية «المتهمة بالتدخل لعرقلة تشكيل الحكومة، بحجة منع تمثيل حزب الله فيها»، من اجل تسهيل الخيارات امام اللبنانيين ومساعدتهم على الخروج من المازق الذي اوقعوا انفسهم به عبر تشكيل حكومة مقبولة من الداخل ومن الخارج، برغم صعوبة هذا الامر في ظل الموقف الاميركي والسعودي القائم على رفض تمثيل حزب الله في اي حكومة قبل ان ينصاع الى مطالب الاميركيين وحلفائهم. لكن قناة روسيا اليوم ذكرت امس: ان ماكرون وولي العهد السعودي إتفقا على ضرورة حل الأزمة اللبنانية، وتمت إعادة طرح اسم الرئيس سعد الحريري كنقطة توافق، كما أن ماكرون قام بتعديلات على فريقه المكلف بالملف اللبناني»، وهذا يعني ان ابواب الحل لم تقفل بعد.
على هذا، من المتوقع ألاّ تحصل مشاورات سريعة بين رئيس الجمهورية وبين القوى السياسية، لا سيما وأن الرئيس ميشال عون أجرى هذه المشاورات قبل نحو أسبوع مع كل القوى والكتل، وهي حددت موقفها ولا تراجع عنه تحت أي صيغة جديدة ستجري بها مقاربة الملف الحكومي الجديد، طالما أن الضغوط الخارجية لا زالت قائمة على حزب الله وحلفائه. وبالتالي لن يحدد الرئيس عون موعداً قريبا للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد تشكيل الحكومة قبل إتضاح الخيط الابيض من الخيط الاسود.
وثمة من اقترح في الدائرة المقربة من الرئيس عون ان تجري عملية الاستشارات الاسبوع الحالي في ابعد تقدير، على ان يحصل لقاء مسبق بين عون والشخصية التي يتم الاتفاق على تكليفها من اجل تحديد التوجهات الكبرى للحكومة شكلاً ومضموناً، ويتم الاتفاق عليها مع الرئيس نبيه بري والقوى السياسية الاساسية، ليمر التكليف والتأليف بسلاسة. ولكن يبقى السؤال عن موقف الرئيس سعد الحريري وكتلته النيابية، والى اي حد سيتجاوب مع الرغبة في التسهيل والتراجع عن الشروط التي وضعت خلال اتصالات تشكيل حكومة الرئيس المعتذِر.