تعقيدات المشهد الاقليمي المستجدة، رفعت منسوب القلق في لبنان، خصوصاً على التسوية الرئاسية، في ضوء عجز المراجع المعنية عن كبح جماح التدخلات الخارجية المؤججة للخلافات، مباشرة أو عبر عناصر داخلية.
ومستوى القلق الراهن، تمثل بجملة مكونات، أبرزها خيبة الرهان على الحوار السعودي – الايراني الذي ذهب بعيداً مع المستجدات السلبية الداخلة على خط العلاقة بين البلدين، ما يعني اخراج التسوية الرئاسية من المشهد السياسي الراهن، وبانتظار فصل آخر من مسرحية الرئاسة العبثية المستحيلة.
وأكثر من القلق، هناك هاجس لبناني محكوم بالخوف من ربط الشغور الرئاسي في لبنان بوتد فك العقوبات الدولية عن ايران… ما يعني ترحيل الاستحقاق الرئاسي الى حزيران، أو ربما بالمرحلة الانتقالية في سوريا، أي الى ما لا يعلمه غير الله، مع ان تطمينات سفراء الدول الكبرى تستبعد، هذا الأمر ولا تنفيه، تقلل من احتمالاته ولا تلغيه، تقول بأولوية الاستقرار اللبناني، وعماده تركيب هيكلية السلطة الدستورية والمؤسسات، أي انتخاب رئيس للجمهورية، وتتجاهل تمرير أولويات الآخرين من خلف ظهر الحالة اللبنانية.
والراهن أن التسوية الرئاسية التي أطلق صفارتها الرئيس سعد الحريري تتمتع بكامل المواصفات الدولية والاقليمية، والا لما كانت محل ترحيب الأميركيين والروس، ولما كان من مبرر لاتصال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بمن اتصل بهم من أصحاب العلاقة المباشرين، أو المراجع الداعمة أو المساندة، وفي المعطيات المتوفرة أن الروس معنيون، بمقتضى التسويات المطروحة، بحماية الاستقرار اللبناني، كي يستطيع هذا البلد، لعب دور استراحة المحارب الاقليمي، والمشفى وقناة التواصل، ومثل هذه السلة من الأدوار تتطلب اعادة ترتيب اوضاع السلطة الدستورية بدءاً من رئاسة الجمهورية…
وليكون هناك رئيس للجمهورية، يتعين ازالة الموانع السياسية المعرقلة لانعقاد جلسات الانتخاب الرئاسية… وبما ان الشمس طالعة والناس قاشعة، فلا بد من كلمة سواء مع طهران، التي تبدو أكثر إصغاء وفهماً للغة الروسية، خصوصاً عندما تسمعها بالاذن السورية المشرّعة.
والمعادلة المعدة للطرح تشبه المقايضة التي حصلت بين الزبداني وكفريا والفوعة، والتي لم تكن موسكو بعيدة عن رعايتها، بمعنى آخر ان مواصلة الضغط المانع للتسوية الرئاسية في لبنان يفترض أن يقابله ضغط معاكس على الدور والحضور في سوريا.
لكن رغم كل ذلك، فإن مستجدات حرب اليمن، والاعدامات في السعودية، ضاعفت من احتمال أن تكون الارتدادات المنتظرة، أبعد من تطيير جلسات الحوار النيابي أو الثنائي، وأبعد بالتأكيد، من تطيير جلسة الانتخاب الرئاسية المقررة في ١٦ الجاري، والتي هي طايرة طايرة… الخشية، ما عبّر عنها الرئيس نبيه بري منذ بضعة أيام، من أحزمة الدم الجاري احداثها في المنطقة، باستهداف محتمل لاتفاقية سايكس – بيكو، الموضوعة على طاولة التشريح الروسية – الأميركية، مع لفت النظر الى أن هذه الاتفاقية صناعة انكليزية – فرنسية، سايس البريطاني وبيكو الفرنسي، وقد وضعت بغفلة عن الروس في زمن الحرب الكونية الأولى، ولم يكن الأميركيون حينها في الصورة.
الخشية نفسها تنتاب ١٤ آذار، التي أدركت أمس ما نحن قد نكون مقبلين عليه، فدعت الى عدم تحويل لبنان الىخاصرة رخوة ومسرح لتصفية حسابات الآخرين، ذات المخاوف التي عبّر عنها غبطة البطريرك الراعي كدأبه في كل قداس وكل تصريح، وكذلك الرئيس امين الجميل، الذي رأى أن اللبنانيين يعيشون حالة انتحار عام، ولكن على مَن يقرأ مزاميره داود؟