كلّما توغّل رئيس لجنة الشؤون المالية النائب إبراهيم كنعان، والنواب أعضاء اللجنة في مسألة الفساد، كلّما توافرت لهم معلومات ووقائع تثير العجب العجاب، لشدة ما يتفنن الفاسدون في أساليب الارتكابات وبعضها يتجاوز الخيال، ويكشف عن عقليات جهنمية في هذا «الفنّ»! بل إن الكثيرين منهم يصلحون أن يكونوا «أساتذة» في هذا المضمار يمكن «تصديرهم» الى بلدانٍ هي بحاجة إلى «خبراتهم» ومهما كانت (هي أيضاً) موغلة في الفساد!
وفي تقديرنا أن مكافحة الفساد لن تصل الى عشرة في المئة من الحالات المعشّشة في هذه الإدارة اللبنانية، الظريفة والمهيوبة!
ذلك أنّ وضع اليد كلياً على الفساد يبدو متعذراً… إذ سيظل الكثير من الحالات خارج القدرة على اكتشافه.
وأمّا في حال اكتشاف الفساد، جزئياً، فتبدأ معاناة ثانية في المواجهة وهي تختصر بالآتي:
1- رفع الغطاء السياسي فعلاً عن الفاسدين.
2- منع التدخل مع القضاء!
3- الاستحصال على الوثائق والإثباتات من مصادرها… أو ما بقي منها، خصوصاً أنّ المعلومات تفيد أنّ الملفات التي تتلف في دوائر وإدارات ومؤسسات (…) باتت كثيرة جداً، إخفاء لما أمكن إخفاؤه من معلومات.
الى ذلك أن للفاسدين كثيراً من الشركاء الفعليين، فعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر الآتي:
1- قد يكون رأس إدارة ما أو مؤسسة ما أو وزارة ما (…) ضالعاً في الفساد، وتمكّنه من الفساد يكون بإفساد الآخرين.
2- ومثالاً على ذلك: إشراك موظفين في الإدارات، خصوصاً في الدوائر المالية، في العملية من خلال منحهم «شوفة خاطر» عن كل عملية…
3- ومثالاً آخر: إشراك المسؤولين الأعلى بنصيبهم في العملية..
4- إشراك موظف أو أكثر في الصرفيات المالية في سرقة أموال الدولة…
وأمّا حول الرقم الذي أعلن عنه رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب إبراهيم كنعان عن 15200 شخص جرى توظيفهم خلافاً للقانون… فمع استفظاعنا هذا الرقم، ندعو نائب المتن وزملاءه في اللجنة الى البحث عن أرقام الموظفين غير الموجودين فعلياً في الحياة (أي الذين لم تلدهم نساء) والذين ربّـما يكونون «مسجلين» في القيود!
وأود أن أختم هذا الموضوع حالياً بهذه الرواية: في الماضي غير البعيد أُنشئت مديرية في وزارة الإعلام ذات تسمية «عربية ودولية» ورصدت لها موازنة بقيمة ثلاثة مليارات ليرة لبنانية. ولقد تبين أنها لم تقدم أي خدمة (في الجزم والإطلاق) لم تقدم أي خدمة… والمفاجأة أنّ موظفة واحدة فيها كان مرتبها الشهري أكبر من المرتب الأساس الذي كان يتقاضاه حاكم مصرف لبنان آنذاك.
المسؤول الذي عُين لاحقاً للإشراف على المديرية طلب الإطلاع على الملفات، وقال لمعاونيه عندما تأتي الموظفة (المشار إليها أعلاه) أدخلوها الى مكتبي… فقيل له: حضرتها لا تأتي أبداً! فسأل: وكيف تتقاضى مرتبها؟ فأجابوه: يحمل موظف «دفتر الذمة» إليها في منزلها!
وكان أن طلب المسؤول الجديد (بكتاب رسمي الى مجلس الوزراء عبر الوزير) إلغاء تلك المديرية وهكذا كان.