هرباً من ظلم «المركزية».. أم من الأكثريات؟
اللامركزية الإدارية.. خبز يومي لـ«الثنائي الماروني»
مذ أن صار بين «التيار الوطني الحر» و «القوات» تفاهم رئاسي و «خبز وملح» سياسيّ، تعدّدت خطوط الالتقاء بين الحليفين الجديدين، وتنوّعت العناوين المشتركة.
نجح الفريقان في توسيع قاعدة تفاهمهما وعدم حصره بكرسي الرئاسة الأولى، وقد يكون عامل التفريع أحد شروط نجاح الحلف العابر للاصطفافات السياسية في وقت تشهد فيه الساحة الداخلية خلط أوراق قد يمهّد لخريطة جديدة سترتسم على وقع التطورات الإقليمية المتسارعة من اليمن الى سوريا.
هكذا، قفز طرح اللامركزية الإدارية الى واجهة الخطاب المسيحي ليصير ملازماً لإطلالات «العونيين» و «القواتيين» بعدما كان سامي الجميل يعتبر نفسه «أب» هذا الطرح و»أمه». يقول رئيس «القوات» سمير جعجع قبل أيام قليلة إنّ الانتخابات البلدية هي مدخل للامركزية الادارية. قبله يردد جبران باسيل الأمر ذاته في خطابه التأسيسي أمام المؤتمر العام لـ «التيار الوطني الحر».. في المحصلة، يغنّي الفريقان الموال ذاته: الى اللامركزية الموسعة درّ!
كيف تُفهم حيثيات هذا الدفع وتوقيته؟
في أدراج مجلس النواب أكثر من اقتراح حول اللامركزية الادراية، كما أنّ الرئيس نبيه بري أدرج هذا البند على جدول أعمال طاولة الحوار، وبالتالي ثمة حاجة الى توافق سياسي هو المدخل الإلزامي للتوسّع في اللامركزية الإدارية وفقاً لحسابات القوى السياسية ومدى رغبتها في تحصين الهيئات المحلية وتقويتها بالاستقلالية (اللامركزية) المالية وهي النقطة التي تحدثت عنها صراحة وثيقة معراب.
طبعاً لا يمكن قراءة الأجندة العونية ـ القواتية بمعزل عن الظروف المعقدة التي أدت الى شلل المؤسسات الدستورية منذ عقد من الزمن، حيث ترسّخت القناعة لدى العونيين بضرورة الدفع باتجاه تحصيل ما امكن تحصيله من مكاسب للمسيحيين خصوصاً أنّ الوضع الاقليمي المتحرك لا بد أن يستقر في مرحلة ما ويفرض موازين قوى داخلية، تترجم سلّة توافقات تشكل مدخلا الى «جمهورية جديدة» لا أحد يستطيع التكهن منذ الآن بتوازناتها وأدوار مكوناتها.
هكذا يرفع أهل معراب والرابية خطاب تحصين رئاسة الجمهورية بماروني قوي كي لا تقدّم لقمة سائغة أمام أفواه الطوائف الأخرى، ويتمسكون بقشّة قانون الانتخاب الذي سينهي تمثيل المسيحيين المجحف منذ الطائف حتى الآن، ويكملون ثالوثهم بالمطالبة بتوسيع اطر اللامركزية الادارية.
بالنسبة لهم، لا تخرق هذه المطالب سقف اتفاق الطائف لا بل تضعه على سكة التطبيق الذي يؤمن العدالة والمساواة بين مكونات الوطن كافة. وانطلاقاً من الأفق المسدود الذي يواجهه النظام اللبناني المعتل بعدما أثبت عدم قدرته على متابعة مساره، يقرّ هؤلاء أنّ عودة الانتظام الى المؤسسات الدستورية اللبنانية قد لا تحصل من خلال اعادة تأسيس النظام وانما من خلال آليات سياسية جديدة أو بعض التعديلات المصوّبة للتوازن بين المكونات الطائفية. ولهذا قد تكون اللامركزية الادارية واحدة من بنود السلة المطروحة للنقاش.
يقول المدافعون عن هذا الطرح إنّ الدولة المركزية أثبتت فشلها كونها قائمة على الطائفية والزبائنية، وبذلك قد تكون اللامركزية الموسعة علاجاً لتأمين الحماية والعدالة للمواطنين وتساهم في تخفيف مساحات الاشتباك الطائفي بحكم التعاطي غير المنصف الذي يشعر به المسيحيون في كثير من المحطات والأزمات التي يشكون منها.
يزيدون بأنّ تطييف الخدمات العامة وتحوّل كل وزير الى رئيس جمهورية على وزارته يحوّل الطائفة بحد ذاتها الى مستهدف في حال ارتفعت الشكوى من أداء وزير على سبيل المثال. وفي جعبة هؤلاء الكثير من الأمثلة التي تدفع بهم الى الاعتراض على «ظلم» الدولة المركزية، لعل أبسطها جسر جل الديب الذي لو تركت مهمة انجازه لسلطة محلية منتخبة ذات صلاحيات وعلى تماس مباشر مع أهالي المنطقة، لما كان هؤلاء عانوا ويعانون الأمرّين من جرائه.
ولعل مسألة الجباية المالية المرتفعة في مناطق جبل لبنان هي الأكثر تداولاً على ألسنة «اللامركزيين». بالنسبة لهؤلاء يحق للمنطقة التي تدفع أكثر من غيرها لخزينة الدولة أن تحصل على نصيب مماثل من الرعاية الانمائية والاستشفائية والاجتماعية، على عكس ما هو حاصل اليومّ!
إذاً، صار لهذا الفريق خطابه الثلاثيّ الأبعاد: رئاسة قوية، قانون انتخاب عادل وتطبيق اللامركزية الادارية. يعتقدون أنّ رفع سقف مطالبهم من دون خرق قواعد الميثاقية والعيش المشترك التي يضمنها الدستور بنسخة «الطائف»، من شأنه أن يأتيهم بالحدّ الأدنى من المكاسب يوم ستطرح سلّة التغييرات على طاولة القرار.