لن تتَّسع الصحف والمجلات ولن تتوقف الملاحق الإخبارية لو تناولت وسائل الإعلام ما تشهده البلاد من خلوات ولقاءات واتصالات تتناول الإستحقاق الرئاسي على وقع المبادرة الأخيرة لملء الشغور الرئاسي. وما تُجمع عليه المعلومات المتداوَلة في شأنها عدا عن تجميدها، أنّ هذا الحراك عزّز فشل القيادات اللبنانية في إدارة الإستحقاق وإتمامه. كيف ولماذا؟
تُجمع القيادات السياسية والوطنية على أنّ الحراك الذي شهدته البلاد تزامناً مع مبادرة الرئيس سعد الحريري التي لم تكتمل فصولاً عزّزت التوجّه الى مزيد من الفشل في قدرة اللبنانيين على إدارة الإستحقاق الرئاسي على رغم مرور عام وسبعة أشهر على الشغور في قصر بعبدا وعلى رغم مساعي البعض الى لبننة الإستحقاق بكلِّ مراحله من التوافق على الرئيس العتيد الى حين الترشيح، فالإنتخاب.
ويعتقد بعضهم أنّ ذلك كان ممكناً بمجرّد التزام اللبنانيين النصائح والتمنيات الديبلوماسية التي أبلغتهم أنّ الإستحقاق هذه المرة صناعة لبنانية محلية ووطنية، ولن تروا مسؤولاً دولياً أو أممياً متفرّغاً للبحث في ملفّ لم يعد موجوداً على طاولات الكبار في العالم قياساً على حجم ما هو مطروح من ملفات إقليمية ودَولية، وإن وُجد في بعضها فلا يتعدّى كونه ورقة في ملفات عدة تدعو الى الحفاظ على الحدّ الأدنى من الإستقرار ليبقى لبنان ملاذاً لكلّ أشكال المفاوضات وقاعدة خلفية لفريق الأمم المتحدة العاملة في سوريا عدا عن كونه مستودعاً للنازحين واللاجئين السوريين والفلسطينيين والعراقيين.
وعلى رغم اقتناع بعض القادة اللبنانيين بصوابية هذه المعادلة التي أثبتتها الوقائع أكثر من مرة، فإنّهم يُصرّون على أنّ المهمة مستحيلة طالما أنّ البعض لا يرى في المخارج المقبولة ما يضمن وصوله الى قصر بعبدا متسلّحاً باستدراج البعض المتدخّلين في الأزمة السورية الى الساحة اللبنانية بكلّ قدراتهم لتكون أدوارهم مطية للوصول الى المبتغى مهما كان الثمن.
حتى الأمس القريب كان يعتقد البعض من طرفَي الصراع أنّ الأزمة السورية قد شارفت على نهايتها ولا بدّ من وجود خاسر ورابح لترجمة المعادلة في بيروت على خلفية أنّ النتيجة ستكون على قاعدة «L› ECOLE DES FANES»، وأنّه لا بدّ من ترتيب الصفقات التي تُوزّع الأرباح والخسائر على اللبنانيين وفق المعادلة المعروفة في مثل التسويات السابقة، فيتقاسم اللبنانيّون المغانم ولو طُويت كلّ الملفات على زغل.
وما بين هذه القواعد والنظريات المتعدّدة ثمّة ثوابت لم يُخفها اللبنانيون، فقد سارعوا في الفترة الأخيرة إلى إعادة التموضع على خلفية أنّ ترشيح النائب سليمان فرنجية أمر محسوم بعدما تقاطعت عنده المصالح الإقليمية والدولية، فتسارعت اللقاءات والخلوات على أكثر من مستوى، على أساس أنّ العهد الجديد بات قريباً ولا بُدّ من البحث في كلِّ ما يمكن أن يرافق المراحل الأولى منه ولا سيما على مستوى التشكيلة الحكومية عدا عن الآمال في جنّة الإدارة وتوزيع المكاسب والمغانم على المستويات الإقتصادية والمالية والإدارية.
والى الحركة السياسية التي أنتجها الحراك الرئاسي وما شهدته البلاد من إجتماعات وخلوات بقيت بعيدة من الأضواء ولم يكشف سوى عن بعضها، فقد حفلت الأندية السياسية بالمناقشات والوعود بأنّ كلَّ شيء «ماشي» وأنّ الأيام المقبلة ستفتح صفحة جديدة في الحياة الدستورية والسياسية في البلاد حتى إنّ بعض الصفقات بدأت تُعقد على أكثر من مستوى سعياً الى ترتيب المصالح وتحسين المواقع.
كلّ ذلك كان يوحي بأنّ الأمور ممسوكة وقد وزّعت المهام السياسية والأمنية والإقتصادية كما العلاقات الخارجية، وبدأت عملية الفرز السياسية على أساس أنّ تركيبة «8 و14 آذار» قد اهتزّت وأنّ معادلات جديدة بدأت ترتسم في الأفق ظناً من البعض أنّ التحالفات الجديدة ستُثمر حراكاً سياسياً جديداً يُخرج البلاد من المعادلات السلبيّة التي تحكّمت بمرحلة الشغور وما قبلها بما رافقها من فرز سياسي ومذهبي توصلاً الى «كربجة» كلّ المخارج الممكنة والتي باتت أسيرة ردات الفعل المُبرمجة من دون أيّ حسابات أخرى.
وعلى هذه الخلفيات تتبادل المراجع السياسية روايات تثير الضحك وصولاً الى القول إنّ مسؤولاً سابقاً استعاد عافيته بمجرّد عودة آل فرنجية الى السلطة، ففتح دفاتر هاتفه القديمة وراح يبحث في لائحة أصدقائه ليكتشف أنّ أرقامه «عتيقة» للغاية خلت فيها من رمز الـ «03» ليكتشف لاحقاً أنّ بعضاً ممّن يرغب في التشاور معهم قد غادر الى دنيا الحق قبل اعتماده في بدايات تسعينيات القرن الماضي.
ليس في ما ورد من روايات وسيناريوهات ما يدعو الى السخرية أو الشماتة إنما للإشارة الى أنّ اللبنانيين عبّروا مرة أخرى عن عجزهم في إدارة الإستحقاق بامتياز لم يسبقهم اليه أحدٌ في تاريخ الدول.