الإستحقاق الرئاسي يعصف بالتحالفات السياسية ويحوّلها إلى أشبه ببيت العنكبوت
تبنّي جعجع ترشيح عون لا يعني أن طريق بعبدا أصبحت مزروعة بالورد والياسمين
هل تتكرّر تجربة المنافسة بين سليمان فرنجية الجد والياس سركيس في العام 1970؟
مما لا شك فيه أن تبنّي «القوات اللبنانية» ترشيح العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية قد خلفت مجدداً ديناميكية في ما خصّ هذا الاستحقاق على غرار ما كانت قد أحدثته التسوية «الباريسية» التي قدّمت النائب سليمان فرنجية كمرشح للرئاسة، غير أن هذا التبنّي الذي وإن كان قد أحدث نقلة نوعية على مستوى الشارع المسيحي سياسياً وشعبياً فإنه لم يصل إلى درجة يمكن معها القول بأن طريق بعبدا أصبحت مزروعة بالورد والياسمين وأن أبواب القصر الجمهوري باتت مشرّعة أمام الجنرال عون، فمفتاح القصر لم يكن يوماً في لبنان بحوزة شخص أو فئة بعينها، بل هو عبارة عن تفاهم كل القوى السياسية في لبنان إلى جانب عوامل إقليمية ودولية لا يمكن لأي فريق تجاهلها.
من نافل القول أن التفاهم السياسي الداخلي على شخص الرئيس ما زال مفقوداً وكذلك العامل الإقليمي والدولي، وبذلك فإن الطبخة الرئاسية ما تزال بحاجة إلى الكثير من الوقت لكي تنضج، وأن ما يجري اليوم وإن كان يعبّر عن مناخات سياسية صحيّة بغضّ النظر عن بعض النكد والكيد الذي يرافقانها، فإنه يبقى قاصراً عن تحقيق هدف انتخاب الرئيس بالسهولة التي يتوقّعها البعض، كون أن حقلاً واسعاً من الألغام ما زال يُحيط بالإستحقاق الرئاسي وأن إبطال مفاعيل صواعقه يحتاج إلى أيادٍ ماهرة وذات خبرة واسعة تجنبا لأي انفجار قاتل.
وإذا كانت خطوة الدكتور سمير جعجع تبنّي ترشيح عون متوقّعة منذ اللحظة الأولى لتبنّي بعض فريق الرابع عشر من آذار ترشيح النائب فرنجية، فإنها من دون شك أحدثت نوعاً من الإرباك لدى مختلف الأطياف السياسية خصوصاً وأنها رسمت خارطة تحالفات إفتراضية ما أنزل الله بها من سلطان فجمعت البعيد وأبعدت القريب، وحاكت خيوطاً سياسية أشبه ببيت العنكبوت، بشكل يوحي بأننا سنكون مع قابل الأيام في مشهد سياسي مختلف كلياً عمّا كان عليه الحال منذ العام 2005 إلى اللحظات التي سبقت لقاء الرجلين في معراب.
في الحسابات السياسية يمكن ملاحظة التالي من خطوة معراب باتجاه الرابية:
إن سمير جعجع كان يُدرك منذ اللحظة الأولى لترشيحه للرئاسة من قبل فريق 14 آذار بأن حظوظ انتخابه رئيساً معدومة، لكنه بقي في المعركة من باب الحرص على التحالف ولقطع الطريق أمام تفرّد فريق 8 آذار بالترشح إلى أن سقط عليه خبر التسوية «الباريسية» كالصاعقة فقرّر حينذاك أن يغيّر قواعد اللعبة من باب الردّ على ما اعتبره خروجاً على التحالف، ولقطع الطريق على النائب فرنجية خصمه اللدود والحؤول دون وصوله إلى قصر بعبدا، فكان الخيار بأن يتبنّى ترشيح عون.
إلى ما رمى جعجع من وراء هذه الخطوة إلى جانب الهدفين آنفي الذكر؟
إن جعجع يعتبر نفسه الرابح الأول من وراء هذا القرار وإن كان من سيصل إلى سدّة الرئاسة يُعدّ من ألدّ أعدائه السياسيين وأن دماء كثيرة أُسيلت نتيجة هذا العداء الذي استمر لسنوات، فهو بات يعتبر نفسه بأنه الرقم الصعب في معادلة انتخاب الرئيس، وأظهر نفسه أمام الشارع المسيحي بأنه هو من أنقذ الموقع الأول لهم من الضياع وحال دون استمرار تشرذم المسيحيين، كما أنه حجز له مقعداً متقدّماً في أية انتخابات رئاسية قادمة، وعدا ذلك فإنه لن يكون هناك أية مفاعيل يمكن معها القول أنه بسببها تمّ تجاوز مطب الاستحقاق الرئاسي وانتخب رئيس جديد للبنان، باعتبار أن تبنّي جعجع لترشيح عون غير كافٍ لإيصاله إلى قصر بعبدا، فماذا عن مواقف القوى السياسية الأخرى عدا عن موقف حزب الله الذي يُجاهر بتبنّي ترشيح جنرال الرابية حتى النهاية وإن كان الخطاب الذي ألقاه جعجع في معراب والذي تضمّن البنود العشرة جعل الحزب يقارب هذا الموضوع بحذر شديد وأنه حتماً سيطلب من حليفه تفسيرات واضحة حول بعض هذه البنود. أما باقي القوى السياسية فمواقف البعض منها واضحة بعدم القبول بانتخاب عون والبعض الآخر موقفه غامض والبعض يفضّل التمهّل قبل تحديد خياره وهذا يعني أن المشوار إلى تأمين النصاب في مجلس النواب وانتخاب رئيس ما زال طويلاً، سيّما وأن العامل الإقليمي غير متوافر بفعل استمرار الانشطار الكبير في العلاقة بين إيران والسعودية الدولتين الفاعلتين في الملف اللبناني، فطالما أن الجسور مقطوعة بين هذين البلدين طالما أن انتخاب الرئيس بعيداً عن متناول اليد، هذا بغضّ النظر عن مواقف دول القرار في المنطقة الذين لهم حصة في هذه الانتخابات نظراً للتركيبة السياسية القائمة منذ الاستقلال إلى يومنا هذا.
وأمام هذا المشهد السياسي «العنكبوتي» بدأت تُطرح تساؤلات في الصالونات السياسية من بينها هل ينسحب النائب فرنجية لصالح عون أم لا، وفي حال تمسّك بترشّحه هل تصل الأمور إلى تأمين النصاب في المجلس لانتخاب واحد من إثنين، وماذا ستكون عليه مواقف الكتل النيابية هل تتبدّل المواقع وتُخلط الأوراق ونكون أمام مشهد سياسي جديد لم يألفه لبنان إلا في آب من عام 1970 حيث حصلت المنافسة على الرئاسة ما بين سليمان فرنجية الجد والراحل الياس سركيس، أم أن قابل الأيام سيحمل مفاجآت تُطيح بكل ما هو موجود حالياً، ونكون أمام رئيس جديد من خارج المربّع الحالي؟ كل هذه السيناريوهات تبقى مفتوحة ومتوقّعة ما دام المشهد السياسي على حاله من التبعثر.