في الماضي، كان لا بد من الخصخصة لانقاذ الوضع الاقتصادي، والمالي، ولم يتم الاتفاق على اعتمادها لاسباب سياسية وغير سياسية، وبات انقاذ هذا الوضع في حاجة الآن الى اقرار مشروع الشركة بين القطاعين العام والخاص، خصوصاً ان وضع الخزينة لم يعد يسمح بتمويل تنفيذ المشاريع الكبرى الحيوية والانمائية مثل الكهرباء والماء.
وكان “منتدى مستقبل لبنان الاقتصادي”، الذي عقد في حزيران الماضي وشاركت فيه أكثر من 300 شخصية اتخذ توصيات منها: “مباشرة العمل وفق آلية الشركة بين القطاعين العام والخاص بعد اقرار قانون الشركة وتفعيلها، وتعزيز الحوكمة الرشيدة والشفافية في القطاع الخاص واقرار التعديلات على المراسيم التطبيقية لقانون تشجيع الاستثمارات في لبنان واعتماد التنمية اللامركزية وتنفيذ المشروعات البنيوية الحيوية في كل المناطق، واعتماد سياسة رسمية داعمة للصناعة، قادرة على المنافسة في كل الاسواق وانشاء صندوق لدعم الطاقة وآخر لدعم الشحن وتنظيم استعمال مادة الغاز الطبيعي في الاسواق الداخلية وانشاء صندوق مستقل تشرف عليه هيئة خاصة لادارة الثروة الناتجة من استخراج النفط واشراك القطاع الخاص في الاستثمار في البنى التحتية، والمحافظة على السياسة النقدية الفعالة التي يتبعها مصرف لبنان ووضع محفزات ضريبية لتشجيع قطاع السياحة والقطاعات المرتبطة به وتشجيع دمج شركات الخدمات لزيادة رساميلها وتحفيز ودعم عمليات دمج المصارف الصغيرة.
لكن هذه التوصيات وغيرها التي صدرت عن مؤتمرات اخرى لم تنفذ بحيث بات لبنان يعرف بالدولة التي تكثر فيها القرارات والتوصيات وتبقى حبرا على ورق. ويذكر ان الدول المانحة طالبت باصلاحات نصت عليها شروط “باريس 3” وظلت تنتظرها، وهي مرتبطة بفترات زمنية لتنفيذها، وحال تعطيل التشريعات والمراسيم التطبيقية للمشاريع الخدمية والاستثمارية دون الافادة من القسم الاكبر من الاموال المخصصة لتنفيذ المشاريع الانمائية.
لذلك مطلوب تحريك مشروع الشركة بين القطاعين العام والخاص واقراره لمباشرة تمويل ادارة المشاريع وتحديد مدة كل مشروع مشترك لتعود بعد انقضائها الملكية للدولة.
وأهمية هذا المشروع تكمن في انه يحسّن مستوى الخدمات ويحرك العجلة الاقتصادية من خلال الاموال المتاحة في القطاع الخاص وتحديداً القطاع المصرفي من دون اللجوء الى الاستدامة وتكبير حجم الدين العام. ويعوٍّل المشروع من جهة اخرى على قيام الهيئات الناظمة التي من شأنها تحديد تنظيم العلاقة بالقطاع الخاص في المشاريع العامة لا سيما في قضايا الكهرباء والمياه، فلو ان هذا المشروع اقر في مجلس النواب عند احالته عليه، لما كان لبنان يواجه اليوم ازمة كهرباء حادة وازمة مياه لا يعرف كيف يعالجها مع خزينة عاجزة عن تنفيذ هذه المشاريع، فصار لا بد من الاستعانة بأموال القطاع الخاص ولا سيما القطاع المصرفي، وقد سببت الصراعات السياسية عدم التوصل الى اقرار المشروع لتجنيب الازمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي يتخبط فيها لبنان وتعجز الحكومة عن معالجتها، بإضاعة فرص الحل لها.
لقد بلغ وضع الخزينة حداً يتطلب الاسراع في بت مشروع “الشركة بين القطاعين العام والخاص”، وكل تأخير في بته لأي سبب سوف يفاقم ازمات الكهرباء والماء والتقدمات الاجتماعية، ويقرب البلاد من انتفاضة شعبية على الطبقة السياسية التي تهمل الاهتمام بأولويات الناس لمصالح خاصة.
حان الوقت ليكون عنوان المرحلة التي يمر بها لبنان، خصوصاً مع ما يجري في المنطقة وما يتعرض له من أخطار هو الشركة بين القطاعين العام والخاص، من اجل تطوير البنية التحتية واعادة التوازن الى المالية العامة من خلال تحقيق نمو اقتصادي متوازن ومستدام، خصوصاً ان دولا كثيرة اعتمدت الشركة بين القطاعين العام والخاص فتعزز اقتصادها. ولو ان القطاع الخاص ادار قطاع الكهرباء لما كان لبنان يواجه أزمة كالتي يواجهها اليوم، ولو انه تولى استثمار المياه لما كان لبنان يشكو اليوم ازمة تقنين. فقطاع الكهرباء كان قطاعا مربحا زمن الانتداب الفرنسي وقبل ان يتحول مؤسسة تديرها الدولة. فهل يبادر مجلس النواب عند اجتماعه الى اقرار هذا المشروع باعتباره من المشاريع الضرورية والملحة وينهض بلبنان الرازح تحت وطأة دين كبير، وهو في حاجة الى اعادة اعمار بنيته التحتية وتنفيذ المشاريع الكبرى من دون أن يؤدي ذلك الى استمرار ارتفاع مديونية الدولة.
على الحكومة ايضا ان تعمد بعد اقرار هذا المشروع الى وضع لائحة اولويات بالمشاريع المطلوب تنفيذها، وليس صحيحا ان مشروع الشركة بين القطاعين الخاص والعام هو قناع للخصخصة كما يقول البعض لعرقلة اقراره، انما هو مشروع حين ينتهي دور القطاع الخاص في المشاريع المشارك فيها، يعود كل شيء الى الدولة.