عندما يروّج بوتين للسلاح الروسي بقوله إن المعارك في سوريا جعلت العالم يعرف جيداً قدرة وقوة وأسماء أسلحته، يكون قد حوّل المأساة السورية إلى شاشة إعلانات.
هذا السلوك التجاري المعيب، يُفقد روسيا مصداقية الإدعاء بأنها جاءت إلى سوريا من أجل محاربة الإرهاب، والمحافظة على وحدتها وشرعيتها.
إنه يعلن بصراحة مخزية أن الأرض السورية، بمدنها وريفها، كانت حقل تجارب لأسلحته الجبارة. إنه بذلك يكون قد أثبت للدول الباحثة عن السلاح، أن موسكو هي المصدر المثالي للتسلح.
هذا استثمار رائع لمأساة مروّعة. فما تكلّفته روسيا في حربها السورية، ستعوّضه أضعافاً في صفقات السلاح المتوقع أن تنهمر طلباتها على الكرملين.
هذه ليست الدعاية الوحيدة التي قدمتها سوريا للقيصر الروسي. فقد منحته أيضاً دعاية سياسية عالية الجودة، حيث أتاحت له إستعمال “الڤيتو” مراراً، مؤكداً من خلال مجلس الأمن، أن روسيا حليف لا يعوّض، في حين أن التحالف مع الغرب ليس أكثر من ثرثرة عاطفية.
وهكذا تكون سوريا قد وفّرت لبوتين قاعدة عسكرية في حميميم، وقاعدة سياسية قي نيويورك.
في حميميم وطرطوس، تحقق روسيا حلمها بالوصول إلى المياه الدافئة. وفي نيويورك، تمت لها السيطرة المطلقة على قرارات مجلس الأمن، ساحبةً بذلك البساط من تحت أقدام ترامب الأميركي وماكرون الفرنسي وتيريزا ماي البريطانية.
أكثر من سبعين عاماً والشركاء الخمسة في الإنتصار على النازية، يحكمون العالم بالڤيتو.
يمارسون ديكتاتوريات الدول العظمى على دول لم تسهم في خوض حروبهم، ولم تقتل الملايين. في حين أن القتلة أخذوا من فظاعة ماضيهم مكافأة الحق في إدارة العالم، وحماية السلم العالمي والحريات وحقوق الإنسان.
وهم اليوم، يكررون، إلى حدٍ ما، ماضيهم العنفي. فبسبب صراع مصالحهم، يفتعلون الأزمات والحروب الأهلية. ويتحالفون مع ديكتاتوريات كرتونية. ويتسببون بنزوح الملايين هرباً من النزاعات المسلحة، مهدرين بذلك أدنى الحقوق البشرية لهذه الأسر المشردة، عبر حرمانها من المأوى والرغيف والطبابة والمدرسة.
إذا بقي النظام الأممي على حاله، وهو باقٍ بكل تأكيد، فإن دول العالم الثالث ستبقى حطباً متروكاً لنيران الڤيتو.
لكن الڤيتو نفسه، قد يتحوّل إلى حزام ناسف ينفجر بحامليه. ودلائله تبدو في التنافس القذر، بين روسيا وأميركا، على لقب الدولة الأعظم. خصوصاً وأن خطوط التماس المباشر بينهما أصبحت متعددة ومتقاربة، سواء في سوريا أم العراق أم اليمن أم كوريا أم أوكرانيا.
هذه ليست عودة إلى الحرب الباردة فقط. فمع وجود بوتين وترامب، وما يحملانه من عنجهية ومن جنون العظمة، نخشى من ارتكاب حماقات كبرى، تتحوّل معها حربهم الباردة إلى حرب ساخنة جداً.