قرأت بشغف كتاب مئة عنوان بلا عنوان.
فوجدت، في كل عنوان مشروع كتاب.
هل قصد فؤاد بدوي عبيد الاثارة؟
أم أراده إغناء القراء بالطرائف من الحكايات.
وتساءلت: هل كانت الحشود في معرض الكتاب في البيال،تدرك مسبقاً، وتعرف ما ينطوي عليه الكتاب لتختار منه، عنواناً مثيراً، تخبره للأجيال الطالعة على سلّم القراءة، في زمان نضبت فيه القراءة، وهيمنت عليه الالكترونيات والسيدايات.
كان كثيرون يعتقدون ان زمان القراءة انتهى.
لكن كثيرين لا يزالون يقرأون الكتاب، ويطالعونه.
انهم يواجهون العصر الحديث، بتراث العصر القديم.
يروي صحافي عريق، انه في نهاية دورة اعلامية، في الولايات المتحدة، غادر معهد الصحافيين الأجانب في مدينة رستن، الى الواشنطن بوست إحدى كبريات الصحف الأميركية.
وهناك فوجئ بأن زمان القلم والورقة، قد انتهى.
وان لا أحد يداعب قلماً.
أو يدغدغ ورقة.
لكن فصلاً آخر، كان يرتسم على الشاشة.
بادرهم بوب وود وارد مكتشف فضيحة ووترغيت بأننا طلقنا الكتابة على الورق.
وعاجله أحد القادمين من الشرق الأوسط: نحن لا نريد هذا الطلاق.
تركناه لكم، واتركوا لنا لذّة القراءة والكتابة، ولو على مضض.
إلاّ أن بوب طمأنهم بأن في الحداثة لذة، وأروع ما حققته في حياتي، انني وزميلي كارل روبنشتين دفعنا الرئيس ريتشارد نيكسون الى الاستقالة، من البيت الأبيض.
في كتابه مئة عنوان بلا عنوان يروي ان الرئيس ألفرد نقاش كان من كبار مثقفي لبنان، ومن أعدل قضاته ومن أنزه سياسييه، كان يتنقّل من دون موكب، حتى انه لا يملك سيارة.
وفي حادثة ثانية، يروي فؤاد عبيد ان أحدهم قال للرئيس سليمان فرنجيه انه رأى الأمير خالد شهاب رئيس الوزراء السابق يلحق بالترامواي ليتنقل به.
استغرب الرئيس فرنجيه ذلك، واستقبل الامير شهاب الذي جاء اليه في سيارة إجرة مخلّعة لتهنئته بعيد الاستقلال.
وعندما همّ بمغادرة بعبدا، رافقه الرئيس فرنجيه حتى المدخل، واكتشف انه حضر في سيارة إجرة.
عندئذ طلب من مرافقه، ان يكلّف سائق سيارة الرئاسة، أن يوصله الى داره.
وبعد هذه الحادثة، سحب مشروع قانون صرف تعويضات للرؤساء والوزراء والنواب السابقين، قدّمه اليه المرحوم منير أبو فاضل نائب رئيس مجلس النواب، ووقّعه، بعدما كان مجمّداً في الأدراج.
فرغت من قراءة هذا الفصل من كتاب فؤاد عبيد مئة عنوان بلا عنوان.
وأدركت فوراً، سرّ الإقبال على معرض الكتاب.
… وسرّ الحشد أمام دار المؤلف، لأن الناس شغوفة بالقراءة الممتعة، والوقائع الرصينة.
كانت الأديبة مي زيادة، تقول ان للفكر هيبة، وللعبارة حصافة، وللأدب والثقافة احتراماً وجلالاً، لا يدركه إلاّ المبدعون.
كتبت مي زيادة بالفرنسية، وترجمت عن الألمانية، وصنعت لنفسها نموذجاً غير مسبوق بين نساء عصرها.
إلاّ أن سرّها الكبير، ذهب معها الى عالم الابداع، وخلاصته انها عرفت لذّة الكتابة، وذاقت وتذوّقت عذوبة الفكرة.
هل كان فؤاد عبيد بحاجة الى عنوان واحد لكتابه؟
طبعاً، لا.
ولهذا جعل عنوان كتابه مئة عنوان بلا عنوان.
تلكم، هي قصة الفقر عند الكبار من الرؤساء!